عن قلق المسلمين في الغرب

راتب شعبو

حرير- مع كل انفجار أو حادث أمني في أوروبا، يضع اللاجئون، لا سيما منهم العرب المسلمين، أيديهم على قلوبهم، خوفاً من أن يكون وراء الحادث مسلم عربي أو غير عربي، كي لا تُضاف حادثة جديدة تعزّز النظرة، المعزّزة سلفاً، التي تربط المسلمين بالعنف والإرهاب ومعاداة الحضارة الغربية، وما ينجم عن ذلك من تمييز سلبي بحقّ المسلمين في المجتمع المضيف، التمييز الذي صار، في أوروبا، مرتكزاً لتياراتٍ سياسيةٍ انغلاقيةٍ تشغل الناس بهموم هوياتية وعدائية تجاه الأجانب، وتردّ، ليس فقط المشكلات الأمنية، بل والمشكلات الاقتصادية وغير الاقتصادية في أوروبا إلى وجود الأجانب وسياسات الهجرة.

إضافة إلى الصدمة العامّة التي يُحدثها لدى الجميع خبرُ أي انفجارٍ يحدُث في المدن الأوروبية، كذاك الذي شهدته الدائرة الخامسة في باريس في 21 من شهر يونيو/ حزيران الحالي، يعاني اللاجئون المسلمون، العرب منهم بوجه خاص، من خوفٍ ملازم لا يتحرّرون منه إلا حين يعلمون أن الانفجار عفويٌّ ناجمٌ عن تسرّب الغاز مثلاً، كما كان حال الانفجار في باريس أخيراً، وأنه لم يكن ناجماً عن عملٍ قام به مسلم أو مسلمون.

قبل انفجار باريس، كانت عملية طعن الأطفال التي شهدها أحد متنزهات منطقة الألب الفرنسية، في 8 يونيو الحالي، قد هزّت المجتمع الفرنسي. وإلى جانب الصدمة العامة، التي يشترك فيها الجميع، يلحّ في ذهن كل لاجئ سؤال قلق، من هو الجاني؟ وتتناسب راحة اللاجئ مع مدى ابتعاد الجاني عنه من حيث الجنسية والديانة.

تراجع توتّر اللاجئين المسلمين إزاء عملية الطعن المذكورة، حين تبيّن أن الجاني شابٌّ سوري، لكنه غير مسلم، وأنه كان يطعن وهو يهتف باسم المسيح. وفّرت الهوية الدينية للجاني، هذه المرّة، على اللاجئين المسلمين نظرات الاتهام والتبخيس. أما طريقة الجاني في إشهار دينه في أثناء تنفيذه الجريمة، فقد كانت للمسلمين بمثابة متنفّسٍ لذواتهم المحاصرة باللوم والإدانة. على أن هناك من أراد إغلاق هذا المتنفّس عبر التشكيك في حقيقة أن يكون هذا الشاب مسيحياً، واعتبار أن “مسيحيّته” ليست سوى كذب وستار يختبئ خلفها “الإجرام الإسلامي”!

في كل حال، كانت جريمة هذا الشابّ المسيحي واقعاً يقول إن الدين ليس هو السبب، وإن أي دين (بوصفه ديناً وبصرف النظر عما ينطوي عليه من تعاليم) يمكن أن يتحوّل في وعي بعض معتنقيه إلى دافع للقتل يجعل يد “المؤمن” تطعن فيما لسانُه يمجّد المقدّسات الخاصة به. في المجال الإيماني الديني، بوجه خاص، يسهُل أن تنشأ قناعةٌ لدى نوعيةٍ من المعتنقين بأن رضا المقدّس الخاص بالمؤمن يستوجب القتل. يصحّ هذا على الإيمان غير الديني أيضاً ولكن بدرجة أقلّ، نظراً إلى الفارق الكبير بين المقدّس الديني أبدي السمو و”المقدّس” الدنيوي الذي يبقى خاضعاً، مهما سما، للعقل وللنقد، وبالتالي عرضة للنسبية والهبوط أو الانهيار.

يحتجّ مسلمون كثيرون على حقيقة أنه في معظم الحالات التي يكون المجرم فيها غير مسلم تُفسّر العملية بأنها ناجمة عن خلل نفسي لدى الجاني، فيما توضع جرائم المسلمين سريعاً في خانة الإرهاب. قد يجد هذا الواقع تفسيره في حقيقة أنه لا يوجد موقف عام يجمع العمليات الأمنية التي يرتكبها غير المسلمين، فلا يربط الجناة في هذه العمليات سوى الإجرام الذي يُنسب، والحال هذه، إلى طبيعةٍ فرديةٍ في المرتكبين الذين لا يجمعهم موقفٌ عدائيٌّ من الغرب. وعليه، فإن هذه الجرائم لا تخرُج عن تاريخ الإجرام “التقليدي” الذي يحصُر الجرائم في إطارها الفردي خارج مجال النظرة المتبادلة بين الجماعات وخارج مجال السياسة.

في حالة الاعتداءات التي يقوم بها مسلمون في الغرب، تتّجه الجريمة تلقائياً في الدائرة الواسعة من الوعي العام الغربي إلى المجال السياسي، بوصفها (الجريمة) تعبيراً عن موقف إسلامي “جماعي”، يترجمه فرد أو أفراد بطريقة عنيفة. أي أن الاعتداء الذي يقوم به المسلم في الغرب لا يبقى، في الوعي الغربي، حادثاً فردياً، بل تعبيراً فردياً عن موقف جماعي مُتخيّل. والحقيقة أن بعض الوعي العام في وسط المسلمين يشارك الوعي العام الغربي في النظر إلى الاعتداء الذي يقوم به مسلم بوصفه حدثاً “سياسياً”، أي يتجاوز الفردية ليكون تعبيراً عن موقف جماعي. الأمر الذي يساهم في تعزيز الصورة الغربية المتخيّلة عن الموقف الجماعي للمسلمين من الغرب.

القلق الذي يشمل المسلمين في الغرب إزاء أي اعتداء أو حادث أمني، مخافة أن يكون الفاعل مسلماً، ناجمٌ عن حقيقة أن أفعال المسلمين في الغرب قابلة لأن تندرج في هذا التفسير الذي يجعل الفرد المرتكب أو المجرم ممثلاً لمجموعةٍ وصادراً، في ما أقدم عليه، عن موقف جماعي. من الدلالات القوية على مشروعية التفسير بروز ظاهرة الذئاب المنفردة، الظاهرة التي تقوم على وجود موقفٍ عدوانيٍّ لمسلمين تجاه الغرب، موقفٍ له من التماسك والقوة ما يوحد الأفراد ويجعلهم يتصرّفون وفقه من دون ضرورة وجود أي معرفة متبادلة أو أي رابط تنظيمي. وتأتي حساسية هذا الموضوع ليس من أن هؤلاء مسلمو الولادة، بل من كونهم لا ينسبون موقفهم العدائي من الغرب إلى السياسة، بما تنطوي عليه من نسبية وتبدّل، بل إلى “الإسلام”، وهو ما يرسم في الوعي الغربي تصوّراً يقول إن كل مسلم يمكن أن يدخل في عداد هؤلاء المعتدين بقدر اقترابه من الإسلام.

الموقف المشترك الذي يستند إليه من يقومون بأعمال عدوانية هزيل واختزالي إلى حدود قصوى، ويمكن تلخيصه بالكراهية وما تغذّيه من نزوع عدواني ذي طابع انتقامي لا يعفّ عن استهداف المدنيين. والحق أن نسب مثل هذا الموقف لأي دينٍ ينطوي على ظلم شديد لهذا الدين، وعلى خطر تحويله إلى مجرّد “إيديولوجية عنف”، وإلى وسيلة للاستخدام في صالح ما يعاكس العمق الروحي للدين.

مقالات ذات صلة