اطلبوا الحرية ولو في الصين

داود كتاب

حرير- يعرف أي متابعٍ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن ميزان القوى في الوقت الحالي يميل بقوة لصالح الطرف المحتلّ. وفي محاولة لتصحيح التوازن، هناك بالأساس طريقان، العنف والدبلوماسية. لقد حاول عديدون العنف، ولكن التفوّق العسكري الإسرائيلي حال دون أي تقدّم. لقد شكلت الانتفاضة الأولى غير العنيفة تقدّماً كبيراً في مجال تغيير ميزان القوى، ولكن ما نتج عن الانتفاضة الثانية كان تراجعاً وضرراً أكثر بكثير.

لا يُخفي الرئيس محمود عبّاس (86 عاماً) قناعته، لغاية العناد، في حصرية الحل عن الطريق الدبلوماسي. ولكن الطرف الآخر في هذا المسار (الطرف الأميركي) كان مخيباً للآمال. ومنذ مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحق رابين، في عام 1995، تردّدت واشنطن أن تلعب أي دور لدفع عملية السلام والعمل على الخروج بحلٍّ متفق عليه. وكانت آخر محاولة أميركية في عهد الرئيس باراك أوباما أفشلها المحتلّ في إبريل/ نيسان 2014 برفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من السجناء الفتحاويين والإصرار على بناء المستوطنات. لم يتم أي تفاوضٍ أو لقاءٍ ذي مغزى منذ ذلك الوقت. وقد شكّل التردّد الأميركي والفراغ الحاصل عن ذلك التراجع عودة بعضهم إلى مسار الكفاح المسلح، والذي، بحسب الرئيس أبو مازن، لا يشكل مدخلاً للتغيير. لا يجلب هذا الطريق، وبحسب الرئيس الفلسطيني، حلّاً، بل يزيد من الوضع سوءاً.

لقد تراجعت مكانة الرئيس عبّاس بسبب معارضته العودة إلى الكفاح المسلح، وطبعاً لأسباب أخرى، منها رفضه الانتخابات وعدم قدرته (يقول بعضهم عدم رغبته) على إيجاد حلّ لوضع غزة والعمل على إعادة وحدة الأراضي الفلسطينية.

في ظلّ هذا الوضع الذي يشوبه ضباب كثيف وغياب استراتيجية وطنية تحرّرية جاءت الدعوة من الصين للقيادة الفلسطينية. وللصين أسباب وأهداف واسعة في منطقتنا. تقديراتهم وتحليلاتهم أوصلتهم إلى القناعة بأن قدرتهم على ملء الفراغ الذي يتركه الأميركان في المنطقة لن تتم من دون أن يكون لبكين دورٌ واضح في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولدى الصين عديد من عناصر القوة، أهمها العنصر الاقتصادي، لتلعب دوراً مهماً في تعديل ميزان القوى لصالح العدل والحق. لذلك ورغم صعوبة السفر وبعد المسافة، لم يتردد الرئيس عبّاس في الذهاب إلى الصين للتشاور والتعاون مع العضو الدائم في مجلس الأمن وثاني أقوى دولة اقتصادياً. وليس واضحاً مدى الحماس والاستدامة لدى القيادة الصينية، ولكن رعايتها التوافق بين إيران والسعودية دليل على قدرتها تحويل عناصر القوى إلى نتائج ملموسة.

تأتي المبادرة الصينية في فترة برودةٍ ملموسةٍ في العلاقة الأميركية مع دولة الاحتلال، على خلفية محاولة حكومة نتنياهو قلب نظام الحكم القانوني، بهدف مساعدته في الخروج من أزمته الشخصية. كما تأتي في ظلّ تراجع ملموس لتأثير واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، بدأ في سورية وفي الخليج واليمن وليبيا.

إذاً، بتوقيت المبادرة الصينية والتجاوب الفلسطيني السريع لها تتوفر قاعدة قد تشكل اختراقاً، نوعاً ما، في حال استخدمت الصين كل عناصر قوتها، بما في ذلك سلاح المقاطعة الاقتصادية في حال رفض الاحتلال التجاوب معها. وتنطلق الصين في مبادرتها من مبادئ الأمم المتحدة والإطار الدولي الذي يرفض الاحتلال والاستيطان. ومن السهولة أن تحمل الصين راية حل الدولتين المتفق عليه دولياً، ولكنه يخلو من أي آلية تنفيذية.

مؤكّد أن الطرف الإسرائيلي، وبالذات الحكومة الحالية، سترفض بشدّة التعاون مع دولةٍ تقف بوضوح مع الحقّ الفلسطيني المبني على العدالة والشرعية الدولية. ولكن التراجع الاقتصادي الإسرائيلي، وبدء هروب شركات الهايتك بسبب الأزمة القانونية، يعنيان أن الجانب الاقتصادي قد يكون كعب أخيل لدولة الاحتلال. ولكن يبقى السؤال: إلى أي مدىً ستكون بكين مستعدّة لوضع كل قوتها الاقتصادية خلف مبادرتها السياسية؟

من الواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس سيستمر في قناعته الراسخة أن حل القضية الفلسطينية لن يتم سوى من خلال آلية العملية الدبلوماسية والعمل السياسي، بعيداً عن محاولات إدخال عنصر المقاومة المسلحة.

يقول المثل العربي “اطلبوا العلم ولو في الصين”، فبعد أن فشلت المحاولات الكثيرة في الاعتماد على واشنطن، لم يبق في جعبة الرئيس أبو مازن سوى التمسّك بالمبادرة الصينية. فمن الواضح أن القيادة الفلسطينية تطلب الحلّ السياسي ولو في الصين. ولكن هل سيُكتب لهذه المبادرة النجاح؟ سؤال تجيب عنه الأشهر المقبلة؟

مقالات ذات صلة