الذاكرة_المثقوبة

د. هاشم غرايبة

حرير- ذكرت الأنباء أن تعليمات صدرت الى الاعلاميين في (CNN) بتوخي استخدام المصطلحات المخففة في تغطيتهم لأنباء العدوان المتواصل على مخيم جنين منذ أيام، ويتجنبوا الاشارة الى أعداد الضحايا من المدنيين وخاصة الأطفال، فلا يستخدمون الا عبارة “العملية العسكرية المحدودة ضد ارهابيين”.

في كل يوم، ومع كل حدث جديد، تتزايد الأدلة على وجود اصطفاف للبشر في هذا العصر، كما في الكل العصور المنصرمة، فهم في فسطاطين لا غير، فسطاط يجمع أهل الشر والآخر يجتمع فيه أهل الباطل.

وعندما ترى أهل الباطل أكثر من أهل الحق عددا والتحاما مع باطلهم، رغم غياب الحجة لديهم على صوابه، وأكثر تعاضدا فيما بينهم رغم الاختلاف فيما بينهم بسبب تناقض مصالحهم، تستدل من ذلك على حتمية “ان الباطل كان زهوقا”، وهم في دخيلتهم يوقنون أنه الى زوال، وان الحق الى انتصار.

لذلك نرى قادة الغرب، ومع كل عدوان جديد من الكيان اللقيط على ابناء فلسطين، يسارعون الى تأييده وتبريره أنه دفاع عن النفس.

فهل هذا الإعلان يهدف الى تأمين مسبق لهذا الكيان من المساءلة عن (جرائم الحرب) التي سيرتكبها؟.

بالطبع فذلك غير وارد عمليا، لأن الجهة الدولية التي تعتبر حكما في هذا الأمر هي الغرب ذاته، وقد ثبت أن هذا الكيان محصن من المساءلة، ليس نقصا في الأدلة، بل هو بفعل تضامن الباطل مع بعضه.

التفسير المنطقي إذاً ينحصر في هدفين:

الأول: التشجيع والدعم للكيان اللقيط حتى لا تخور قواه أمام اصرار أهل الحق على حقهم، والثاني إضعاف آمال أهل الحق بالنصر، وليحسوا بأنهم مستفرد بهم ولا نصير لهم، حتى ييأسوا ويستسلموا.

الأمر الأول يدل وبشكل قاطع على أن طرفي حزب الشيطان (الكيان اللقيط والغرب)، رغم تفوقهم الهائل في القوة، يخشيان الحتمية المنطقية وهي ان الباطل زهوق لا محالة، وتحقق ذلك مسألة وقت يقصر أو يطول، اعتمادا على همة أهل الحق، وجعله الله كذلك – رغم أنه قادر بذاته على تحقيقه في أي وقت – لكي يحفز همة المؤمنين ويبذلوا جهدهم، فيكرمهم الله آنذاك جزاء مضاعفا: يحق الحق ويزهق الباطل على أيديهم، فيزدادوا بالنصر في الدنيا عزة، وبمثوبة الله الأخروية خيراً جزاءا.

لذلك كان الأمر الثاني منصبا على إضعاف معسكر أهل الحق، فهم ينشرون الخور في صفوف الفلسطينيين، بتأميرهم للإستسلاميين، وبتهميش المقاومين والتحريض عليهم من ناحية.

ومن ناحية أخرى لا يملكون تغييرا لقناعات شعوب الأمة، لذا يضغطون على من ولوهم أمرها (الأنظمة العربية) للتخلي عن قضية الأمة (استعادة الأقصى وفلسطين)، وظهرت إمارات الانصياع لذلك واضحة، فمنهم من اعتبر المقاومة إرهابا فحاربها تقتيلا واعتقالا، أو حاصرها ومنع عنها الدعم، ومنهم من هرول الى الكيان اللقيط مطبعا مستسلما، وبعضهم لم يدعم المقاومين أصلا، فزاد بأن توقف عن الدعم المعنوي، فلا يذكر الهجمات على الفلسطينيين بسوء، بل يدينها بعبارات خجولة، ويبرر ذلك أنه حرص على العملية السلمية (حل الدولتين)!، والتي هي عمليا، وحتى لو أجريت، فهي مجرد عملية قيصرية لإخراج الجنين الميت، ومنتجها الوحيد هو تثبيت الكيان اللقيط على أنه دولة، وأن المستوطنين لأرض فلسطين مالكون شرعيون لها.

هذا الواقع القاتم الذي صنعته الأنظمة المتخاذلة، عانت منه الأمة طوال تاريخها عند المحن، وسببه الأساس طمع الساسة بالبقاء في الحكم، فلقلة همتهم يضحون بكرامة الأمة، ويرهنوها بيد أعدائها.

لكن المخلصين للأمة كانوا دائما هم متبعو منهج الله، ولما كانوا يؤثرون آخرتهم على دنياهم، فقد أنقذت تضحياتهم الأمة من كل الغزاة، في كل مرة.

لذلك ينبغي على حاملي هم الأمة أن لا يلتفتوا الى نعيق السلاميين المتخاذلين بدعوى الواقعية، الذين رضوا بالنعيم الزائل، ومسماهم عند الله: القاعدون عن البذل والفداء، وفي كل العصور، لم يقدم هؤلاء لأمتهم خيرا.

كلما ازداد تكاتف أهل الباطل، أيقن أهل الحق أن ذلك من علامات اقتراب النصر، فهؤلاء هم الذين قال فيهم الله تعالى: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا” [آل عمران:173].

مقالات ذات صلة