خط نهاية نتنياهو

عبد الحليم قنديل

حرير- لا يزال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، يريد القضاء على حركة حماس، بينما الأخيرة، ومعها ـ للمفارقة ـ أطراف فلسطينية وإقليمية ودولية، بعضها يعارض حماس ويكره سيرتها، وأخرى تحشرها عنوة في خانة الإرهاب، وكلها تتمنى أيضا الخلاص من نتنياهو، الذي يقول ببساطة؛ إن ما بعد حكمه سيكون نهاية الإسرائيليين بالضبط.

وحتى الإدارة الأمريكية، لا تخفي ضيقها من نتنياهو، الذي يوجه الصفعة تلو الصفعة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ويتصرف في أموال أمريكا وسلاحها، كأنه صاحب الأمر والنهي والسلطان، ولا يبالي بنصائح بايدن، وهو شريكه الكامل في حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فلا هو ـ أي نتنياهو ـ يريد الحد من انفلات وهمجية المستوطنين في الضفة، ولا هو يفرج عن عائدات ضرائب الفلسطينيين المستحقة لسلطة رام الله، ولا هو يقبل الانتقال إلى ما تسميه واشنطن بالمرحلة الثالثة من الحرب في غزة، والحد من موجات القصف الوحشي، وتقليل أعداد الضحايا من المدنيين الأبرياء العزل، ولا يبدي تجاوبا من أي نوع مع خطط بايدن المعلنة لفترة ما بعد الحرب، على الرغم من أن واشنطن لا تريد أي دور لحركة حماس في اليوم التالي للحرب، وتريد دورا لسلطة رام الله في إدارة غزة، وهو ما يرفضه نتنياهو قطعيا، ويرفع شعار لا حماسستان ولا فتحستان، ويريد أن تكون فلسطين التاريخية كلها ـ من غرب نهر الأردن حتى ساحل المتوسط ـ تحت الإدارة الأمنية المباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن دون السماح بإقامة دولة فلسطينية ما دام في الحكم، وهو ما يربك كل مناقشات الإدارة الأمريكية مع النظم العربية التابعة والمتعاونة، فواشنطن تريد دورا لهؤلاء في إعادة إعمار غزة بعد الحرب، وبعض هؤلاء يشترطون وجود مخطط ما لإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة، وهو ما تبدو الإدارة الأمريكية ميالة إليه، ربما حتى تعيد نفخ الروح في عمليات التطبيع بين إسرائيل ودولة خليجية بعينها، ونتنياهو يفسد عليهم كل الاتفاقات الضمنية، بما فيها مساعي جلب أدوار أمنية لدول عربية في دولة فلسطينية منزوعة السلاح الحربي، ولا يتاح لها غير الاستعانة بقوة شرطة محلية، بينما نتنياهو يركب رأسه، ويصر على نفي أي وجود فلسطيني في غزة والضفة والقدس، ويقدم نفسه لجمهوره الإسرائيلي كبطل استقلال، وكأنه نعمة الرب كما المعنى الحرفي للقبه في اللغة العبرية، لا يأبه لضغوط ولا لنصائح ولا لاقتراحات واشنطن، ويخوض ما يسميه حرب الاستقلال الثانية، ويضع نفسه في مكانة مساوية لمؤسسي كيان الاحتلال، ويعتبر نفسه أهم شخصية في تاريخ الكيان والصهيونية بعد ثيودور هرتزل وديفيد بن غوريون، فهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل عمرا في منصبه، وتنتابه روح عجرفة شخصية، يهزأ بها من الرئيس الأمريكي، ويضعه في مكانة أدنى من أدوار إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيريتش وميري ريغيف، وغيرهم من مهرجي وبلطجية الصهيونية الدينية، وهو ما يتبرم منه بايدن، الذي يؤرقه فشل إسرائيل وأمريكا الحربي، حتى اليوم، وعدم المقدرة على تحقيق الأهداف الموعودة، رغم اقتراب الحرب حثيثا من نهاية شهرها الرابع، ومن دون أن يفتر الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني تحت مطارق حرب الإبادة، ولا أن يتراجع الأداء القتالي المبهر المذهل لفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا أن تخف الخسائر البشرية العسكرية الإسرائيلية الثقيلة.

إدارة بايدن تريد أن تتعامل مع الحقائق ببراغماتية تتقبل الإخفاق سعيا لتجاوزه لاحقا، وأن تضمن لربيبتها إسرائيل مصيرا أفضل مما تذهب إليه، لكن نتنياهو يضرب باعتبارات واشنطن عرض الحائط، وكله ثقة بأن الدعم الأمريكي لن ينقص سنتا، وأن تدفقات الأسلحة والصواريخ والقنابل والذخائر الأمريكية إلى الميدان لن تتوقف لثانية.

نتنياهو جرب هذا من قبل ونجح فيه، فلم تكن بينه وبين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كيمياء مودة شخصية، وختم أوباما عهده بالتصويت عمليا لصالح قرار في مجلس الأمن، يدين الاستيطان في الضفة الغربية، لكن أوباما الغاضب النافر من نتنياهو، قرر في آخر أيامه في البيت الأبيض، أن يلزم خلفاءه بتقديم 38 مليار دولار دعما عسكريا للكيان الإسرائيلي، وكان لأوباما كاريزما، بينما رجله وتابعه بايدن شخص باهت مترهل الحركة، ويبدو كروبوت بدائي، يلاحقه الفشل أينما حل وارتحل، وتعوزه المقدرة على مواجهة نتنياهو، واللوبي الصهيوني المساند له في أمريكا، ولا يملك النطق بكلمتي وقف الحرب، خصوصا مع تدافع شهور الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ومخاوف بايدن ـ العجوز ـ من فشل وارد في تجديد رئاسته، مع التقدم الكاسح لخصمه اللدود دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري المنافس، والاتساع النسبي لرقعة المناهضين في حزب بايدن الديمقراطي لعجزه عن لجم مجازر ووحشية إسرائيل، ووقف تدهور مكانة أمريكا الدولية والأخلاقية، أو حتى الحيلولة دون اتساع جغرافيا الحرب في الشرق الأوسط، وتوريط أمريكا ذاتها في توسيع الحرب بالهجمات على الحوثيين في اليمن، وعلى أنصار إيران في العراق وسوريا، وهو ما قد يضيف إلى أمل نتنياهو في كسب الرهان، فهو ينتظر قدوم ترامب الأفضل للكيان الإسرائيلي من بايدن، وجوهر رهان نتنياهو، أن بايدن قد يذهب إلى مزبلة التاريخ قبله، وهو ما يفسر إصراره على القول؛ إن حربه سوف تتواصل طوال عام 2024، وإن كان خفض المدة المتبقية من الحرب إلى ستة شهور في ما بعد، فهو الآخر مرتبك، وتحركه غرائز البقاء في السلطة لا حسابات العقل، ويرغب في تحقيق أو اصطناع أي صورة لأي نصر، حتى لو كان المقابل إشعال المنطقة برمتها، والاندفاع إلى حرب مع حزب الله في الشمال، رغم معارضة الأمريكيين والأوروبيين، وهو لا يقيم وزنا من أصله للأوروبيين ولا للاتحاد الأوروبي، ويعتبرهم أو أغلبهم حلفاء بالإجبار للكيان الإسرائيلي، ولا مانع عند حكومته من احتقار مناقشاتهم، على طريقة ما جرى في جلسة أخيرة للاتحاد الأوروبي، مع وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن وفلسطين، كان موضوعها مناقشة ترتيبات إقامة دولة فلسطينية بعد النهاية المفترضة للحرب الجارية، وفاجأهم إسرائيل كاتس وزير خارجية نتنياهو الجديد، ولم يتكلم بحرف في الموضوع المطروح، بل بدا كأنه يصدر لهم الأوامر، وعرض عليهم تمويل إقامة جزيرة صناعية شرق البحر المتوسط، ينقل إليها الفلسطينيون جماعيا من غزة! ولم يرد عليه أحد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي الحاضرين، وكأنهم التقموا حجرا ثقيلا.

والمحصلة ببساطة، أن نتنياهو لا يخشى من ضيق الأمريكيين ولا الأوروبيين، ويتعامل معهم كأنه سلطان الباب العالي، ولا يأبه بتوريطهم في جرائمه، ويتصرف مع حكوماتهم تصرف المالك في ما يملك، وكل هؤلاء عنده محض تفاصيل جانبية وهامشية، بينما الموضوع الأساسي الذي يشغله في مكان آخر، ومع خصم عنيد هو الشعب الفلسطيني ومقاومته الضارية، خصوصا بعد تضاعف معدلات الخسائر لضباطه وجنوده، على طريقة ما جرى قبل أيام في مخيم المغازي وفي خان يونس، حين قتل 24 ضابطا وجنديا من جيش الاحتلال دفعة واحدة، مع أضعاف عدد القتلى من المصابين والجرحى والمعاقين، في ما وصفه نتنياهو بأنه يوم الكارثة، الذي صعد بقتلى إسرائيل وجرحاها إلى ما يفوق العشرين ألفا ـ بأرقام الإعلام الإسرائيلي ـ منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول المزلزل، وما من خيار أمام نتنياهو حسب كتالوجه، سوى أن يرد بمضاعفة قتل المدنيين الفلسطينيين، وهدم بيوتهم وحياتهم وإجبارهم على المزيد من النزوح، ومن دون أن تبدو لذلك نتائج مضمونة في التقدم لأهداف الحرب الأصلية، فليس بوسع جيش الاحتلال القضاء على كتائب القسام وأخواتها من حركات المقاومة المسلحة، ولا بوسعه فك ألغاز خرائط الأنفاق المتشعبة، ولا ضمان أي إقامة آمنة للمحتلين في غزة، ولا استعادة الأسرى الإسرائيليين والأمريكيين بالقوة المسلحة، وهو ما يدفعه لمناورات التفاف على المأزق المستحكم، وتجريب طرح مبادرات على الوسطاء، من نوع مبادرته لاقتراح هدنة لمدة شهرين، يجرى فيهما تبادل الأسرى على مراحل، وهو ما ترفضه قطعيا حركة حماس، وتصر على وقف العدوان نهائيا قبل صفقات تبادل الأسرى، وعلى الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال، وإنهاء أي خطط لإقامة منطقة عازلة على حدود غزة، وتراهن على تكثيف الضغط الداخلي في الكيان على نتنياهو، وإرغامه على ابتلاع أوهامه، وتحويل هدفه في القضاء على حماس إلى مسار معاكس، عنوانه القضاء على نتنياهو، ودفعه لبلوغ خط النهاية القاتلة.

مقالات ذات صلة