أطلق قمرنا يا حوت.. يوسف غيشان
تابعت خسوف القمر مع ثلة من حرس الشرف من شرفة مقهى «طلة الجبل» في عمان، لكني نسيت تماما، حتى صباح أمس- أن آخر منشوراتي الساخرة(2013) كان بعنوان (اطلق قمرنا يا حوت)، تحدثت فيه حول التظاهرات الاحتجاجية التي كانت تنطلق فجأة كلما حصل خسوف للقمر .. حيث كان الناس يتجمهرون وهم يحملون طبولاً أو ( طناجر ) تصدر صوتاً مزعجاً بالضرب عليها بالعصي، ويشرعون في الصراخ والتطبيل وهم يقولون:
– أطلق قمرنا يا حوت!
وهذا هو الشرف الذى لا أستطيع المشاركة فيه تماما، لكنّي لا بدّ شاهدث مثل هذا، ربّما في الحلم ، أو أن الوالدة الرؤوم تحدثت في الموضوع بوجودي ..بالفعل (أي دنت نو ).
على كلّ، يبدو أن هذه هي التظاهرات الاحتجاجية الوحيدة التي لم تكن تقمع في العالم العربي بالغازات المسيّلة للدموع وبالرصاص الحيّ والمتوفّى ، ناهيك عن الاعتقالات والضرب والسحل ولعانة الحرسة ، والوالدين .
ويبدو أيضاً ، أنّها التظاهرات الوحيدة التي كانت تنجح في تحقيق أهدافها ، إذ لا يمرّ أكثر من ساعة – في أطول الحالات – إلاّ ويضطر الحوت الذي ابتلع القمر ، إلى إخراجه من جوفه كاملاً ، وإعادته إلى مكانه الطبيعي لينير ليالي الحصّادين .. ويعود المتظاهرون إلى بيوتهم راضين بعد أن نجحوا في تحرير القمر . و ربّما كانت هذه التظاهرات تدريباً بالذخيرة الحيّة على تظاهرات الربيع العربي التي حصلت بعد خمسة عقود .
كان حوتاً طيّباً أو جباناً أو أهبل ، ذلك الحوت ، لصّ الأقمار ، فكان يتراجع ويجبن بسهولة أمام صرخات الناس العاديّين ، ويعيد القمر إلى مكانه قبل أن تنتهي التظاهرة الاحتجاجية .. لكنّ أحفاد ذلك الحوت ، الحيتان المتعدّدة التي تستولي على حياتنا ومماتنا وتبتلع اقتصادنا وقراراتنا السياسية والسيادية .. هذه الحيتان لم تعد تخشانا، ولم تعد أي قمر ابتلعته .. لا بل هي مستمرة في ابتلاع أقمارنا وأفلاكنا ، وقريباً ستجهز على المجرّة بأكملها ، إذا تركناها واكتفينا بأن نصرخ باستجداء :
– أطلق قمرنا يا حوت !!