جدال متأخر حول الحد الأدنى للأجور

أحمد الحسبان

حرير- من جديد، ارتفعت وتيرة الجدل حول الحد الأدنى للأجور، حيث أكدت الحكومة الجديدة أنها ستفتح باب النقاش خلال الشهرين المقبلين حول هذا الملف لاتخاذ قرار يطبق العام المقبل 2025.

وهي ذات المعلومة ـ تقريبا ـ التي أعلنت عنها الحكومة السابقة التي سبق أن باركت قرارا للجنة الثلاثية بتجميد تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور للعامين 2203 و 2024 عند 260 دينارا. وتضم اللجنة ممثلين عن أصحاب العمل” غرف التجارة والصناعة”، والعمال” النقابات العمالية”، والحكومة” ممثلة بوزارة العمل”، ومناط بها مهمة التوافق على الحد الأدنى للأجور.

ومع أن عملية التوافق بين العمال وأصحاب العمل تبدو صعبة، إلا أن عليهما الخروج بقرار تباركه الحكومة التي لم يسبق أن اتخذت قرارا لا يحظى بمباركة الطرفين الآخرين.

وتفصيلا، تشير بعض القراءات إلى أن أصحاب العمل هم الطرف الأقوى في المعادلة، وغالبا ما يتعرض العمال من خلال نقابتهم إلى ضغوط تدفعهم إلى القبول بقرارات لا تتناسب مع مطالبهم أو احتياجاتهم أو حتى حقوقهم. بينما تمسك الحكومة بورقة الاستثمار وتشجيعه والحفاظ على حقوق المستثمرين كمصلحة وطنية عليا، وقد تلجأ إلى ما يمكن تسميته بـ”أقل الضررين” في قرارها.

عملية رفع الحد الأدنى للأجور تعثرت على مدى الأعوام الأخيرة بسبب تداعيات كورونا، حيث اشتكى أصحاب العمل من انعكاسات الوباء على نشاطاتهم التجارية، وانتهت المناقشات عند تجميد الحد الأدنى عند 260 دينارا حتى نهاية العام 2024.

المناقشات التي سادت في تلك الفترة، وما قبلها أغفلت الكثير من الحقائق، أبرزها أن نسبة المستفيدين من القرارات السابقة بالرفع محدودة جدا، والسبب في ذلك أن البعض منهم كانوا قد حصلوا على زيادات سنوية كبدل غلاء معيشة، أو بسبب التميز في الأداء أو غير ذلك من أمور، وحال التطبيق الحرفي لمفهوم الحد الأدنى من حصولهم عليه. حيث بينت الأرقام أن رواتبهم تساوي أو تتخطى الحد الأدنى الذي اتفقت أطراف المعادلة عليه. بينما اقتصرت زيادات البعض منهم على الفارق بين الزيادتين.

وفي مسار آخر، فقد حرم الكثير من العاملين وفقا للحد الأدنى من أي زيادات سنوية، بما في ذلك التعويض عن نسبة التضخم السنوية. وبدا للجميع أن حقهم يقتصر على ما يخرج من اللجنة الثلاثية من قرارات، سواء برفض الرفع أو تجميده أو تحديد حد أدنى جديد. وبالتالي مضت سنوات عديدة تآكلت خلالها الرواتب دون أي زيادة أو تعويض عن نسبة التآكل والتي وصلت في بعض الأحيان إلى نسب مرتفعة جدا، ومنها العام الحالي حيث ارتفعت الأسعار بشكل لافت، تبعها ارتفاع كبير في نسبة الفقر.

فقد كشف تقرير للبنك الدولي للعام 2023 أن ثلث الأردنيين فقراء، وأن خط الفقر للفرد الواحد يقدر بـ168 دينارا شهريا “أقل من 8 دولارات يوميا”، مقارنة مع 100 دينار العام 2018، وفقا لمسح نفقات ودخل الأسر للعام 2017-2018، والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.

وهي أرقام تكشف عن أن رواتب الحد الأدنى لا توفر لأي أسرة من 3 – 4 أفراد أدنى متطلبات المعيشة. لكنها ضرورة من أجل ابقاء العاملين ضمن هذه الفئة في أعمالهم، وعدم توجههم للمعونة الوطنية التي تساوي مخصصاتها أو تزيد أحيانا على راتب الحد الأدنى.

وهذا يدفع أصحاب العمل للمطالبة بإيجاد آلية أخرى أكثر فاعلية من اللجنة التي تعتمد على التوافق بين كل الأطراف بينما يختلف كل طرف عن الآخر من حيث المصالح والأوراق التي يملكها في الضغط على الأطراف الأخرى بما في ذلك التلويح بالاستغناء عن العمال بحجة الخسارة أو تدني مستوى العائد المادي.

والكرة هنا في مرمى مجلس النواب الجديد باعتباره السلطة التشريعية التي يرى العمال أن من أبرز مهامها الحفاظ على استقرار ملايين الأسر التي تندرج ضمن هذا الاطار.

والأهم من ذلك أن تكون هناك ضمانات بأن يكون القرار سنويا، وغير خاضع لأي اجتهادات معيقة، أو تأجيل أو تجميد تحت أي مبرر بدءا من العام المقبل 2025، ومنذ بداية العام. وأن يقتصر النقاش على آلية تطبيق القرار السابق بدلا من فتح باب الجدل من جديد.

مقالات ذات صلة