اللي بعده؟!.. صالح عبدالكريم عربيات

عدت إلى أرشيف صوري بالكامل ودققت في كل صورة خوفا من لقطة عابرة مع أي أحد قد تحمل الأيام خبرا عاجلا على أنه مهرب أو فاسد.

لي صورة مع رجل أعمال وحدنا على مائدة عشاء يتوسطها خروف محشي، إذا ما تبين أن صديقي هذا لديه مصنع كريمات غير مرخص ويستخدم فيه مخلفات الحيوانات لتنقية البشرة سأنفي حينها أي معرفة به، وسأبين للرأي العام أن  الخروف كان هو صاحب الدعوة، وأن وجود ذلك الشخص على المائدة نفسها معي يعود إلى أن الخروف صديق مشترك لنا، وأنني في ذلك الوقت رفضت حضور الوليمة المشؤومة، ولكن حلفان الخروف بالطلاق هو ما سبب لي الحرج وأجبرني على الحضور!
لي أيضا صورة أخرى مع مسؤول كبير كنا نتبادل مع بعضنا بعضا الضحكات، إذا ما تبين أن هذا المسؤول فاسد وأسهم في تهريب مصنع لصناعة المرتديلا من لحوم القنافذ والحصينيات، سأعترف صراحة أنني أضحك دائما مع من أعرفهم ومن لا أعرفهم يعني أنا (أهبل)، فحين تحقق محكمة أمن الدولة في القضية لعل من السهل أن (يقولوا أهبل ولا يقولوا نام بالجويدة)!
في إحدى الصور لم أعبط نسيبي مثلما عبطت أحدهم في مزرعته، صحيح أن الصورة فيها دلالات تشير إلى عمق المحبة لهذا الشخص، إلا أنه إذا تبين أنه يزرع الحشيش على أنه ملوخية، سأبين بالوثائق أن معي شهادة وفاة بتاريخ يسبق تاريخ التقاط تلك الصورة!
نعم علي أن أجد تبريرا من الآن، فمؤخرا تم اكتشاف أن في كل حارة وفي كل مزرعة هناك مصنع دخان مهرب؛ حيث بلغ عددها أكثر من عدد المراكز الصحية في الأردن!
وقد يكون هنالك أيضا مصانع للأغذية والألبسة والحليب تعمل بطرق غير قانونية، بما أن تهريب قطع تلك المصانع أسهل من تهريب كاوشوك سيارة من العقبة!
حين تسمع رد الوزارات على قضية زراعة الدخان، فالزراعة تقول إنه ليس لها علاقة وإن دورها يقتصر على الإرشاد الزراعي، والصناعة تؤكد أنه ليس لها علاقة وأن دورها يقتصر على إصدار السجل التجاري، والبيئة تؤكد أنه ليس لها علاقة وأن دورها يقتصر على المخالفات البيئية، طالما نصف وزارات الدولة ليس لها علاقة، إذن من الذي له علاقة بالموافقة على الزراعة والصناعة والتصدير في بلدنا.. مختار الحارة مثلا!
طالما لدينا هذا التخبط والإهمال الحكومي، لا أستبعد أن يكون لدى أحدهم مصنع شيبس في غرفة الغسيل، أو مصنع حليب أطفال في غرفة الحارس، أو مصنع زيوت نباتية في غرفة البويلر!
قديما في الأردن، إذا ما قامت إحدى العائلات بطبخ مقلوبة كانت رائحتها تملأ الحارة وتشمها من على بعد كيلومترات، والكل يعلم أن غداءك مقلوبة. اليوم تدخل الى المطبخ، وترفع غطاء الطنجرة، وتضع رأسك داخلها حتى تعرف شو طابخين؟!
طالما أصبحت المقلوبة بلا رائحة، فبكل تأكيد الأرز صنع في محجر، والزيت خليط من الماء والصبغات، أما الباذنجان فقد يكون نسبة الهرمونات فيه أكثر من نسبة العجز في الموازنة!
الحكومة إن كانت جادة في الحفاظ على أمننا الأقتصادي والغذائي، عليها أن تعيد كل إجراءات الترخيص والمتابعة، والأهم أن لا تتوقف عند قضية الدخان، بل نريد أن نسمع عن اللي بعده.

مقالات ذات صلة