هل يقتنع الجمهور؟.. فهد الخيطان

يبدي عدد غير قليل من وزراء حكومة الرزاز اهتماما بالتواصل والرد على تعليقات المواطنين على منصات “السوشل ميديا”. رئيس الوزراء مهتم شخصيا بهذا النوع من التواصل منذ كان وزيرا للتربية والتعليم، وأفاده ذلك كثيرا في خلق علاقة تفاعلية مع الجمهور، كسب من ورائها احتراما واسعا، نظرا لما كان يبديه من اهتمام في مداخلات المواطنين.

في الأيام القليلة الماضية، استثمرت وزيرة الطاقة هالة زواتي، بمواقع التواصل لتفنيد المعلومات المغلوطة عن أسعار الكهرباء، وشرحت بالتفصيل مفهوم “بند فرق أسعار الوقود” الذي يظهر على فاتورة المواطنين. وكانت قبل ذلك قد عقدت مؤتمرا صحفيا لشرح آلية تسعير المشتقات النفطية في الأردن وقيمة الضرائب المفروضة على كل صنف منها، وفي مقابلة صحفية لاحقة أقرت بارتفاع قيمة الضرائب المفروضة على البنزين بنوعيه ومشتقات أخرى.
لا شك أن الوزيرة زواتي قطعت نصف الطريق في فك لغز أسعار المحروقات والكهرباء، لكن تبقى الحكومة أمام تحد أكبر وهو إقناع الجمهور بمبررات هذه الضرائب، ومن ثم البحث مستقبلا ببدائل لتخفيف العبء الضريبي.
لكن هذا التفاعل والتواصل على أهميته لن يقطع دابر التشكيك، ففي تجارب العالم مع منصات التواصل الاجتماعي ثبت بالتجربة والممارسة أن الجمهور “الافتراضي” أكثر ميلا لتصديق الأخبار المزيفة، مع يقينه الداخلي بعدم صحتها في معظم الأحيان.
إنها ظاهرة فريدة ومحيرة في آن معا، وفي بلداننا العربية تستند ثقافة التشكيك إلى تراث من العلاقات المزيفة بين السلطات والمواطنين، تغيب عنها الشفافية، وهي أكثر من ذلك ظاهرة اجتماعية أصيلة تضرب جذورها في عمق ثقافتنا السائدة والمستبدة.
نادرة هي الحالات التي ينتهي فيها الجدل الإلكتروني بين شخصين إلى التفاهم، أو إقرار طرف بصواب رأي الطرف الآخر. في معظم القضايا التي يثور حولها جدل على منصات التواصل الاجتماعي، يخلص النقاش لمزيد من الاستقطاب والعداء وتبادل الاتهامات، وموجات من تعليقات مليئة بالكراهية والغضب.
وثمة رغبة تظهر عند كثيرين بعدم تصديق الحقائق وتفضيل الأخبار المزيفة، لا لسبب فقط من أجل مواصلة موجة الغضب واغتيال سمعة الآخرين حتى من دون معرفة مسبقة بهويتهم.
إعلام السوشال ميديا قائم على الانطباعات أكثر من الحقائق، ويدعم هذا الاتجاه قواعد العمل المتبعة من قبل إدارة تلك المنصات التي تحرص على تفضيل الأخبار التي تنسجم وقناعات صاحب الحساب، وتذكيره فيها إذا ما فاته متابعتها. إنها الطريقة المثلى لتبقى المنصات الإلكترونية مشتعلة بالجدل الصاخب، فتجذب الملايين لها، وتجني المليارات من جيوبهم.
لهذه الأسباب لا تصمد الروايات الصحيحة طويلا في أوساط المتابعين، وسرعان ما تسترد الأخبار المزيفة عافيتها، وتسود من جديد. راقبوا بعد أشهر تعليقات الناس على ردود الوزيرة زواتي بشأن أسعار الكهرباء؛ أسابيع وربما أيام فقط ستخبو الرواية الرسمية، ونعود للسردية السابقة نفسها، وكأنها الحقيقة الراسخة وسواها أكاذيب!

مقالات ذات صلة