شفاء للقلوب

د. هاشم غرايبة

حرير- يقول تعالى في الآية 12 من سورة لقمان: “وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد”.

الحكمة تعني وضع الشيء في مكانه المناسب وفي الوقت الأنسب لذلك، وهي أمر مختلف عن الذكاء والفطنة وسرعة البديهة، وأقرب ما تكون الى رجاحة العقل، والتي كلها موهبة من الله، ولا تكتسب بالتعلم ولا بالتدرب.

ولما كانت الحكمة أمرا هاما لفهم الأشياء وتفهيمها للغير، فقد آتاها الله لكل رسله الذين أوحى إليهم بكتبه، لكنها منحها لكثير من البشر من غير الأنبياء: “يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا” [البقرة:269].

من هؤلاء كان لقمان، والذي أرادنا الله تعالى أن نستفيد من حكمته، فنقل لنا وصيته لابنه، التي لخص فيها خلاصة الحكمة في الحياة، وجاءت في قوله تعالى: “وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ (13) وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ (14) وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ  (15) يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ (16) يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ (18) وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ “.

يمكن تلخيص خلاصة الحكمة بما يلي:

1 – المرتكز المعرفي الأهم والذي يحرر الانسان من الجهل والعبودية هو التوحيد، لأن اليقين بأن هنالك إلها واحدا لجميع البشر يلغي فوقية البشر بعضهم لبعض، ولأنه ربٌّ مدبر حكيم، فذلك يعني أن يطمئن المرء الى أن رزقه مكفول وليس بيد البشر، وأن كل مجريات الأمور تسير وفق تقدير عليم خبير.

2 – من له الفضل الأكبر على المرء هو الله الخالق الرازق، ثم الوالدين المربيين، لذلك فشكر الله يتمثل بإفراده بالعبادة والطاعة، وللوالدين بحسن المعاملة والطاعة، على أن لا يكون ذلك على حساب عصيان الخالق.

ولأهمية هذا الأمر، فقد قطع تعالى سياق وصية لقمان لابنه، ليصبح الخطاب في الآيتين 14 و 15 من الله، فيوصي الإنسان مباشرة بانه حتى ولو كان الواجب طاعة الوالدين، فالحالة الوحيدة التي عليه أن يخرج عن طوعهما هي عندما يريدانه أن يشرك بالله، بل يتبع سبيل المؤمنين.

3 – تكتمل الحكمة بأمرين: أولهما الصلاة لتمتين الصلة مع الله، والثاني السلوك القويم لتمتين الصلة مع الناس ونفع المجتمع، وتشمل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يجلبه ذلك من أذى، ثم التواضع والتلطف في التعامل.

هذه العناصر الثلاثة تمثل خارطة طريق لمن أراد السعادة في الدارين.

مقالات ذات صلة