خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة السابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فباسم الله وعلى بركة الله، نفتتح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة السابع عشر، ونحن نقف اليوم على أعتاب محطة جديدة من محطات الحياة السياسية في بلدنا العزيز.

وبالرغم من خطورة التحولات والأزمات التي تمر بها منطقتنا، فقد أثبت الأردن أنه الأقدر على تحويل التحديات إلى فرص، من خلال اعتماد خارطة طريق للإصلاح والتنمية والتطوير، كخيار وطني يحظى بالتوافق، لتحقيق المستقبل الذي يستحقه شعبنا ووطننا العزيز.

ونؤكد هنا التزامنا بخيار الإصلاح الشامل بتدرج وثبات، ووفق أولوياتنا الوطنية. واستكمالا للخطوات التي حققناها في هذا المجال، فإننا نرى أن قانوني البلديات واللامركزية يشكلان ركيزة أساسية لتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية في المحافظات، وتعميق مشاركة المواطنين، وتمكينهم من المساهمة في تحديد أولوياتهم، ووضع تصور مستقبلي لمسار التنمية في مناطقهم، وتوزيع مكتسباتها بشكل أكثر عدالة وفاعلية.

كما أن قانون الأحزاب سيسهم في توفير البيئة المناسبة والمحفزة للحياة الحزبية  وتشجيع المشاركة فيها، بناء على برامج وطنية هادفة. وهنا، فإننا نتطلع أيضا إلى إنجاز قانون انتخاب نوعي ينقلنا إلى مرحلة متقدمة في مسيرتنا الديمقراطية، يحقق عدالة أكثر في التمثيل، ويعمل على توسيع المشاركة في الحياة السياسية، ويرتقي بنوعية العمل البرلماني، لتحقيق رؤيتنا في تشكيل الحكومات البرلمانية، وهو ما حرصت الحكومة على تضمينه في مشروع القانون المقدم إلى مجلسكم الكريم.

وبالتوازي مع برامجنا الإصلاحية، فإننا نسير بخطوات عملية لتعزيز حقوق الإنسان، بما في ذلك ترسيخ النزاهة والشفافية، ما يتطلب إقرار مشروع قانون النزاهة ومكافحة الفساد، لتعزيز مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والمساءلة، وهذا يستدعي التعاون الكامل بين الحكومة ومجلس النواب، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وهو التحدي الوطني الرئيس والهاجس الأكبر، فإننا نضع تحسين الوضع المعيشي للمواطن الأردني في مقدمة أولوياتنا الوطنية، وفي صميم المشاريع الاقتصادية التي نسعى إلى تنفيذها، حيث أعدت الحكومة رؤية اقتصاديـة اجتماعية واضحـة المعالـم، للسنوات العشر القادمـة تشمـل القطاعات كافة، ومن أجل تشجيع الاستثمار الخاص في القطاعات الاقتصادية الرئيسية والواعدة، وهو الأساس في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام المنشود، والذي يخلق فرص عمل منتجة للشباب الأردني.

ونؤكد هنا بأن الوقت قد حان للحكومة لتقديم مشروع قانون لمجلسكم الكريم، لإنشاء صندوق استثماري أردني، يستقطب استثمارات البنوك والصناديق السيادية العربية ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد، في مشاريع وطنية تنموية وريادية، تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى المساهمين في هذا الصندوق.

ولابد من تطوير بيئـة الأعمـال وتحديث التشريعات الاقتصادية بشكل متواصل، لتواكب التطورات وأفضل الممارسات العالمية.

وعلى ذلك، فلابد من تعزيـز ثقـة المواطن والمستثمر بمؤسسات الدولة، عن طريق الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة لهم، والتصدي لمن يقف في وجه التحديث والتطوير، ويضع العوائق بدلا من تقديم الحلول.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

وبالرغم من النجاحات التي حققناها في عدد من القطاعات، ومن أبرزها قطاع الطاقة،  فإننا ما زلنا بحاجة إلى الاستمرار في تطوير قطاعات الطاقة والمياه والنقل، بشكل خاص، وتوجيه الاستثمارات إلى هذه القطاعات الحيوية. كما أنه من الضروري مواصلة البناء على ما حققه الأردن في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومواكبة آخر التطورات العالمية، للحفاظ على تنافسية هذا القطاع الهام في توظيف الكفاءات الشابة.

وفي قطاع التعليم، لا بد من إحداث نقلة نوعية وإصلاح جذري في هذا القطاع، الذي يقوم عليه مستقبل الأردن. وعلى ذلك، فلا بد من تنفيذ برامج الحكومة وتوصيات لجنة الموارد البشرية التي سيتم التوافق عليها، للنهوض بمكانة الأردن إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى إيلاء تدريب المعلمين أهمية خاصة للنهوض بدورهم الأساسي.

لذلك، لابد لنا من التذكيـر بأن نجاحنا في تحقيق أهداف المرحلة المقبلة، يتطلب بالضرورة العمل على أعلى درجات التعاون والتنسيق، بين جميع المؤسسات وبين القطاعين العام والخاص.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

سيظل الأردن، كما كان على الدوام، ملتزما بمواقفه التاريخية ورسالته تجاه قضايا أمته العربية والإسلامية، وتجاه السلم والأمن في مختلف بقاع العالم.

وقد ظلت القضية الفلسطينية، القضية الأولى على أجندة الدبلوماسية الأردنية، لمركزيتها وعدالتها، ولأنها مصلحة وطنية عليا. وستبقى القدس، من منطلق مسؤوليتنا الدينية والتاريخية ووصايتنا على الأماكن المقدسة فيها، أمانة حملها أجدادنا، وسيحملها أبناؤنا وبناتنا، مدافعين عنها ضد محاولات الاعتداء، وتغيير الواقع فيها، ونحـن نواصـل اليوم القيام بهذا الدور المشرف.

أما فيما يتعلق بالأزمة السوريـة، فإننا نجـدد التأكيد على موقفنا الداعم لحل سياسي شامل، لإنهاء معاناة طال أمدها، وبمشاركة جميع مكونات الشعب السوري، لضمان وحدة سوريا واستقرارها ومستقبلها.

وانطلاقا من واجبه القومي والإنساني، فقد استضاف الأردن أشقاءنا من اللاجئين السوريين على أراضيه، وقام بتوفير كل ما يستطيع من مساعدات إغاثية وطبية وإيوائية  للتخفيف من معاناتهم، في حين أغلقت في وجوههم أبواب دول أكثر قدرة منا على استقبالهم.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

الإرهاب هو الخطر الأكبر على منطقتنا، وقد باتت العصابات الإرهابية، خصوصا الخوارج منها، تهدد العديد من دول المنطقة والعالم، ممّا جعل مواجهة هذا التطرف مسؤولية إقليمية ودولية مشتركة، ولكنها بالأساس معركتنا نحن المسلمين ضد من يسعون لاختطاف مجتمعاتنا وأجيالنا نحو التعصب والتكفير.

وسيواصل الأردن التصدي لمحاولات تشويه ديننا الحنيف، فالحرب على قوى الشر والظلم والإرهاب حربنا، لأننا بدورنا ومكانتنا ورسالتنا مستهدفون من قبل أعداء الإسلام  قبل غيرنا.

وهنا، نتوجه بتحية الفخر والاعتزاز والتقدير إلى النشامى في قواتنا المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وأجهزتنا الأمنية، في ميادين الرجولة والشرف، الذين يبذلون أرواحهم في سبيل حماية الوطن، والذود عن مكتسباتـه، والسهر على أمن الوطن والمواطن.

وأؤكد هنـا على التزامنا الثابت بدعم النشامى رفـاق السلاح، وعلى ضرورة التزام كل مؤسسات الدولة بدعم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، لتبقى كما عهدناها على أعلى درجات الكفاءة والتميز والاقتدار.

وسيبقى الأردن الحصن المنيع، والملاذ الآمن، والبيت المستقر، والوطن النموذج في القوة والتماسك والعيش المشترك بين جميع أبنائه وبناته، مسلمين ومسيحيين يجمعهم الانتماء للوطن والوفاء لرسالة الثورة العربية الكبرى، التي ما زلنا نحمل رايتها الهاشمية.

وستبقى راية الأردن خفاقة عالية بعون الله، وستبقى جباه الأردنيين ورؤوسهم مرفوعة  بكل فخر واعتزاز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة