المعرفة كأحد مقومات القوة والثروة

خالد وليد محمود

قبل ثلاث عشريات من السنين ونيّف، قال الكاتب والمفكر الأميركي وعالم المستقبليات ألفين توفلر في كتابه «تحول السلطة: بين العنف والثروة والمعرفة» أن «الصراع الدولي المقبل سيدور حول المعرفة، وستكون مسرحه وميدانه عقول البشر وما تحتويه من معلومات ومعارف، وأن قضايا التكنولوجيا ستحتل مكانة رئيسة في التنافس الدولي، خصوصا بين الولايات المتحدة وبقية القوى الكبرى».

يقدم توفلر أطروحة فكرية جديدة عن انعكاس تلك التحولات على السلطة السياسية وأثرها في انتقال مصدرها من القوة والثروة الى المعرفة، فهو يتحدث عن ثورة في تكنولوجيا المعرفة وثورة في الاتصال وتفجّر في المعلومات ويتوقع أن الحاسوب وتوابعه الإلكترونية ستكون أهم ركائز الإنتاج والاقتصاد (طبعا كل هذه التوقعات في بداية تسعينيات القرن الماضي) مع العلم أنه في ذلك الوقت لم يكن الإنترنت قد ظهر بعد، إلا في الحيز العسكري (وكالة ناسا). ومثلما طُرحت فكرة نظام عالمي جديد في السياسية والاقتصاد فكانت الحاجة إلى نظام معلوماتي جديد، كما يرى توفلر أنه مع أهمية المعلومات المتنامية، فإن الحضارة الجديدة ستعيد هيكلة التعليم، وتعيد تعريف البحث العلمي، وقبل كل شيء، تعيد تنظيم وسائل الإعلام والاتصال.. بدلا من الهيمنة الثقافية من قبل وسائل إعلام ضخمة محدودة، فإنّ حضارة الموجة الثالثة ستتجزأ في إعلاميات داخلية، وتتفكك الشركات الكبرى إلى كيانات أصغر تعمل مستقلة..إلخ، مؤدية إلى تنوع هائل وتُشكل في الخيال الفردي خارجا عن تيار الوعي الجماعي وداخلا فيه.

قراءة المشهد اليوم يتضح فيه التحول من طبيعة التنافس إلى الصراع ضمن معالم التهديدات المعلوماتية بين الدول الكبرى في ظل بيئة تكنولوجية عالمية معقدة؛ مثّلت «الهجمات السيبرانية» فيها عنصرا مؤثرا في السياسة والاقتصاد على المستوى الدولي، بعد انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى المؤثرة في العالم إلى شبكة الإنترنت والوسط الرقمي.

يقول توفلر بأن العصر المعلوماتي فرض هيمنته الواسعة على حقول الحياة في أنساقها المتعددة، فأحاط بالثقافي والمعرفي والحكومي والإعلامي والتجاري والسياسي والثقافي والديني والشخصي والعام، وهذا قول يتحقق اليوم في مشهدنا المعاصر، إذ لا أحد ينكر بأننا أصبحنا اليوم أمام بيئة تكنولوجية عالمية شديدة التعقيد، يبدو فيها التحول العالمي المثير نحو السيطرة المطلقة لسلطة المعلومات وتحولها من أهم الأسلحة المستخدمة على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، وباتت حروب المعلومات تهديدا حقيقيا لا يقل خطورة عن الحروب التقليدية المحتملة، وربما يفوق في تأثيره التدميري بمراحل التأثير الناجم عن الحروب التقليدية، حيث باتت البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية الحيوية تعتمد اعتمادا وثيقا على تكنولوجيا المعلومات والتي دشنت عصرا جديدا أسفرت فيه عن ميزاتها الفاعلة، وخصوصيتها في صياغة نظرية جديدة للقوة.

خلاصته أن المعرفة نفسها التي تحدث عنها توفلر في كتابه قبل ثلاث عشرينات من السنين لم تعد هي المصدر الوحيد للسلطة فحسب، بل إنها أصبحت أيضا أهم مقومات القوة والثروة، وعلى هذا الأساس يمكن أننفهم لماذا أخذت المعركة الدائرة من أجل التحكم في المعرفة بمفهومها الشامل ووسائل الاتصال تشتد الآن وتحتدم في جميع أرجاء المعمورة تغذيها الثورة المعلوماتية متزايدة المد، والتي ستعيد ولو جزئيا، بناء توازن القوى بين السلطة والمعلومة والمعرفة، بفضل توفر وتطور الأدوات التكنولوجية التي لم تعد حكرا على من يملك ثم على من يعرف!

باحث دكتوراه في العلوم السياسية

مقالات ذات صلة