الشريعة الإسلامية والقانون الروماني.. د. رحيل محمد غرايبة

دعيت في الأمس إلى محاضرة في مدرج رئاسة الجامعة الأردنية حول الموضوع يلقيها دولة الرئيس الأسبق عون الخصاونة، وفي الحقيقة وجدت نفسي متقارباً مع ما يطرح حول بعض نقاط التشابه في بعض المبادئ والقضايا العامة التي يقرها العقل البشري والتراث الإنساني على الجملة في ميدان العدالة، ولكن الخصاونة في الوقت نفسه صاحب موقف متشدد من ضرورة الانطلاق من مشروع الأمة الفكري وهويتها الحضارية الأصيلة، وهو حرب على أولئك الذين يحاولون الانسلاخ من تراث الأمة ويقللون من جهودها الفكرية وانجازاتها الحضارية على كل الصعد، وكان ايضا ملما بقواعد الشريعة وملما بالتراث القانوني الانساني بطريقة عميقة ودقيقة.

وفي هذا الصدد لابد من توضيح بعض القواعد العامة في هذا السياق التي توضح هذا اللبس الذي يحاول بعض المستشرقين وتلامذتهم من العرب  غرسه في أذهان الناشئة والأجيال الجديدة من خلال القول أن الشريعة الإسلامية أو القانون الإسلامي قد أخذ ببعض بنود ومضامين القانون الروماني الذي يعد بنظرهم أساس التشريعات القانونية في العالم الغربي، وذهب بعضهم إلى إعداد دراسات تثبت التشابه، وأن كثيراً من القضايا والتشريعات الإسلامية مأخوذه من التوراة ومن الديانات السماوية التي سبقت الإسلام.

ولذلك لابد من توضيح الأمور التالية :

أولاً : الدين الإسلامي في الحقيقة ليس نقيضاً لما ورد على ألسنة الرسل السابقين، وهو ليس حرباً على ما سبقه من أديان وحضارات، بل إن الإسلام من حيث الاعتقاد يقرض على أتباعه الايمان بالرسل السابقين والايمان بالكتب السابقة، والايمان بأن سيدنا محمد هو خاتم الانبياء والرسل وجاء مكملاً لما جاؤوا به من عند الله ومتمماً للأخلاق وفضائل الاعمال، وورد في الأثر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شبه ما جاء به الانبياء جميعاً بالبناء الجمعي الواحد، وبقي في هذا البناء موضع لبنة، وكان الناس يقولون ما أجمل هذا البناء لولا موضه هذه اللبنة «فأنا هذه اللبنة «، ولذلك فإن الله أنزل ديناً واحداً على جميع الانبياء والرسل، ولكنهم اختلفوا في بعض الشرائع التي تعالج الواقع في المراحل المختلفة التي تقتضي هذا التباين، كما صحح بعض التصورات الخاطئة التي ادخلت على الدين من بعض الأتباع، وبناءً على ماسبق فمن الطبيعي أن يكون هناك بعض التشابه في بعض المبادئ والقواعد العامة وفي بعض التشريعات أيضاً، (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) فهذا ما ورد في التوراة وجاء القرأن باقراره واعتماده في الشريعة الإسلامية.

الأمر الآخر أن الشريعة الإسلامية فيها بعض المبادئ والقواعد الثابتة وفيها ساحة واسعة للاجتهاد القائمة على المصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع وشرع من قبلنا والعرف والعقل، ويتم الأخذ بما هو حسن والأخذ بالحكمة أينما وجدت، هذا من جانب ومن جانب آخر فالقانون الروماني استفاد من أقوال الحكماء السابقين وبعض ما جاء في الدين المسيحي والأديان السابقة ولذلك وجود بعض القضايا والتشريعات المتشابهة التي يقرها العقل والمنطق الانساني شيء طبيعي.

بقي ان نقول ان الشريعة الإسلامية لها نظريتها المكتملة ولها مبادؤها وقواعدها الثابتة وتم توضيح نظرية مقاصد الشريعة ووضح علم أصول الفقه الخاص بها الذي مثل فتحا انسانيا عاما يعطي الشريعة قصب السبق في هذا المجال دون ان ننكر بعض مواطن الاتفاق التي يقرها العقل ومنطق العدالة  الذي يمثل مرجعية عامة متفقا عليها بين الامم والشعوب في العالم كله.

مقالات ذات صلة