في تأصيل مسيرة القيادة الفلسطينية الموحّدة

محسن أبو رمضان

حرير- نشأ مفهوم القيادة (الفلسطينية) الوطنية الموحّدة في بدايات الانتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت في نهاية عام 1987. أدركت القوى السياسية المنتمية لمنظمة التحرير في ذلك الوقت أهمية وحدة الجهود والطاقات في مواجهة الاحتلال. ورغم عدم انخراط كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القيادة الموحدة حينها، إلا أنه تنسيقاً ميدانياً كان مع القيادة الموحّدة بما يتعلق بجدول أيام النضال، من أجل التكامل وليس التعارض.

تشكّلت القيادة الموحدة (قاوم) من القوى الرئيسية المنخرطة في المنظمة، والتي كان لها نفوذ وامتداد جماهيري، وهي كل من حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية والحزب الشيوعي الفلسطيني (حزب الشعب لاحقا)ً وأصبحت البيانات، وكذلك جدول الأيام النضالية، كالإضرابات التجارية والمواجهات وأيام الغضب، يحدّد بصورة موحدة عبر “قاوم” التي شكلت، والفصائل المنضوية فيها، لجاناً شعبية وإسنادية للانتفاضة بطابعيها، الشعبي والديمقراطي، مثل التضامن مع الأسرى والشهداء وذويهم والتكافل الاجتماعي وغيرها. ثم انتهت “قاوم” مع انتهاء الانتفاضة الشعبية الكبرى، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994.

تجدّد الحديث عن ضرورة تشكيل القيادة الموحدة على إثر اندلاع انتفاضة الأقصى والقدس رداً على اقتحام مجرم الحرب شارون المسجد الأقصى في 28/9/2000. سادت حالة من الكفاح الوطني، معزّزة بإدراك الشهيد الراحل الرئيس ياسر عرفات بانتهاء اتفاق أوسلو، خصوصاً بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وفشل مفاوضات كامب ديفيد برعاية الرئيس الأميركي السابق كلينتون.

كانت الانتفاضة الكبرى تتسم بوضوح الأهداف من خلال شعار “الحرية والاستقلال”، وبطابعها الشعبي وعمقها الديمقراطي. كانت متعددة الأشكال، بما فيها الطابع الشعبي والعنيف عبر المقاومة المسلحة وكانت تتركز في مواجهة الاحتلال بشكل مفتوح من دون تحديد أهداف محدّدة لها سوى تصعيد المقاومة الكفاحية والوطنية في مواجهة الاحتلال.

يزداد الاحتلال شراسة في الآونة الأخيرة في هجومه على المسجد الأقصى ومحاولات تهويده وتقسيمه زمانياً ومكانياً، ويعمل على تكثيف الاستيطان والتنكيل بالأسرى والإعدامات الميدانية واقتحام المخيمات والقرى والمدن، بما في ذلك المدن الكبرى، والتي تصنّف تحت سيادة السلطة الكاملة وفق اتفاق أوسلو الذي أنهته دولة الاحتلال، وتريد إبقاء السلطة في إطار الدور الوظيفي الذي تحدّده، والقائم علي أداتي التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي فقط .

ترفض دولة الاحتلال تحويل السلطة إلى دولة ذات سيادة، لأنها تنكر على شعبنا حقه في تقرير المصير وما تطرحه لا يتعدّى إدارة شؤون السكان (الحكم الذاتي)، والسلام الاقتصادي، من دون الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني التي يقرّها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

وهناك قناعة فلسطينية واسعة، ورغم حالة الانقسام، بضرورة مغادرة مربع اتفاق أوسلو، وقد برز ذلك جلياً في قرارات المجلسين الوطني والمركزي وفي اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020 بين رام الله وبيروت.

أكّدت هذه القرارات على وقف الاعتراف بدولة الاحتلال، وكذلك وقف العمل بكل من التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي، وتبنّي المقاومة الشعبية وحملة المقاطعة وتشكيل هيئة لقيادتها، وكذلك المقاومة الدبلوماسية والقانونية، والتوجه إلى الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين بدلاً من العضوية المراقبة.

تزايد شراسة دولة الاحتلال وعدوانيتها والانحياز الأميركي لها، كما برز عبر زيارة الرئيس الأميركي بايدن المنطقة، والذي تضمّن “إعلان القدس”، والتغطية علي ممارسات الاحتلال وجرائمه، بما يشمل اغتيال الصحافيين، ومنهم الشهيدة شيرين أبو عاقلة، يتطلب عدم الرهان على استعادة المفاوضات و”الرعاية” الأميركية أو رعاية ما سمّيت “الرباعية الدولية” لها.

الرهان الرئيسي يجب أن يتركّز على وحدة الشعب الفلسطيني التي برزت كفاحياً وميدانياً وشعبياً، الأمر الذي يتطلب تشكيل قيادة وطنية موحدة، تشارك بها كل القوى والفاعليات، خصوصاً بعد موافقة الجميع على وثيقة الأسرى، والتي أطلق عليها وثيقة الإجماع الوطني، وبعد إدراك الجميع أن دولة الاحتلال تعمل، وبتسارع، على حسم الصراع بأدواتها العنيفة، والتي تتجاوز بها القانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان.

ليس مطروحاً من دولة الاحتلال إدارة الصراع أو العودة إلى المفاوضات، بل هي تسعى، بصورة منهجية ومنظمة وسريعة، إلى حسم الصراع، وخصوصاً بما يتعلق بالقضايا الكبرى، كالقدس والحدود واللاجئين والمياه والاستيطان والأسرى.

الفلسطينيون بحاجة لتشكيل القيادة الوطنية الموحدة لإدارة دفّة الكفاح الوطني، دفاعاً عن حقوقهم الثابتة والمشروعة. قد تكون هذه القيادة إذا ما تشكّلت مدخلاً مهماً لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وإنجاز الوحدة الوطنية على أسس كفاحية، وستعزّز آليات الشراكة السياسية الضرورية في مرحلة التحرّر الوطني التي يمر بها شعبنا، والتي هي بحاجة إلى جبهة وطنية عريضة، تشارك بها كل القوى والفعاليات، والتي من المهم تعزيزها، عبر منظمة التحرير، وفق أسس ديمقراطية وتشاركية.

مقالات ذات صلة