هل يبتز الأردن العرب بالملف السوري؟

ماهر أبو طير

حرير- هذا رقم مذهل جدا، أي الرقم الذي تحدث عنه وزير الداخلية قبل أيام في لقاء تلفزيوني، حين أشار إلى أن الأردن ضبط 24 ألف شخص في قضايا تتعلق بالمخدرات خلال العام الحالي.

معنى كلام الوزير أن رقم 24 ألفا هو للشهور التسعة الأولى، وما زال أمامنا ثلاثة أشهر، أي أن الرقم سوف يرتفع، هذا فوق الحالات التي لم يتم إلقاء القبض عليها، وتورط أعداد أكبر في ملفات المخدرات، لم يتم الوصول إليها بعد، بما يقول إننا أمام كارثة أسوأ من الحروب.

نعم هذه كارثة أسوأ من الحروب لأن ضحايا المخدرات على مستوى الأفراد والعائلات، من حيث الدمار الصحي والاجتماعي والاقتصادي، يفوق أي حرب، ولو زدنا عدد جرحى وقتلى حوادث السير، لاكتشفنا أن لدينا حرباً يسقط ضحاياها كل يوم، دون ضجيج مرتفع، ودون صوت رصاص أو قنابل أو صواريخ، وكأنّ هناك من تسلط على البلاد والعباد بهذه الابتلاءات التي يراد منها إضعاف الأردن، داخليا، وتحويله إلى بلد هش، على مستوى تماسكه الداخلي.

على مدى 378 كيلو مترا هي طول الحدود مع سورية، تتدفق شحنات المخدرات، ولولا الجهود المبذولة لغرقت البلد أكثر في المخدرات، ولولا وجود شبكات عميلة وشريكة في الأردن تنتظر وصول المخدرات لما أرسلت العصابات هذه الشحنات، والوزير ذاته يقول بكل صراحة إن الأردن يفترض أن كل شاحنة قادمة من سورية تدخل عبر معبر جابر تحمل مخدرات إلى أن يثبت عكس ذلك، مؤكدا إجراء التفتيش الدقيق والمكثف في المعبر دون استثناء أي مركبة.

من الأفضل إغلاق المعابر البرية كليا، وعدم السماح بدخول أي شاحنات، ولتذهب الحركة التجارية إلى الجحيم، والبديل هنا هو الطيران، فقط، خصوصا، أن إبقاء السفر من خلال الطيران، يخفض أخطار تدفق المخدرات، وفيما يخص الحدود البرية فقد بات واضحا أن الأردن عليه أن يدعو اليوم إلى تدخل عربي وشراكة إقليمية في هذا الملف، كون 80 بالمائة من شحنات المخدرات التي يتم ضبطها في الأردن تكون معدّة للتصدير إلى الخارج.

الذي لا يقوله الرسميون في الأردن يتعلق بالمخاوف غير المعلنة من شحنات المخدرات التي قد تتدفق قريباً من العراق، ومصدرها الأصلي هو إيران، وهذه جبهة قد تفتح بواباتها في أي لحظة، بما يعني أن كل حدود الأردن الشمالية والشرقية، باتت مهددة من جانب هذه العصابات التي تدرك أن الأردن بوابة لعدة دول عربية، وبدون المرور من الأردن، لا يمكن الوصول إلى الأهداف النهائية، ونقل المخدرات، والسلاح ربما، وهذا الكلام لا يأتي على محمل المبالغات، أو التهويل، أو تصنيع الأزمات، بقدر كونه يؤشر على المخاطر الكبيرة التي نواجهها هنا.

يختلف كثيرون مع منطوق الوزير الملطف، حين أشار إلى أن الأردن يتحدث باستمرار مع الجانب السوري بخصوص التعاون والتنسيق في مجال مكافحة المخدرات، ويؤكد الوزير أنهم يستجيبون بالقدر الممكن لكن قدرتهم على السيطرة على حدودهم في حدودها الدنيا.

ومصادر المعلومات من داخل مناطق سورية كلها تؤكد أن عمليات الصناعة والتخزين والتهريب، تجري برعاية رسمية من السوريين، والأردن ذاته قدم معلومات حساسة في لقاء رباعي على مستوى عال، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات بحق أسماء محددة، فيما خصوم النظام يعتقدون هنا أن الأردن أمام عملية ثأرية انتقامية بسبب ما تعتبره دمشق الرسمية شراكة أردنية في تثوير الجنوب السوري بدايات الربيع العربي، وأن الأردن عليه اليوم أن يدفع ثمن تدخله، من خلال ملف الأشقاء السوريين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ومن خلال ملفات تهريب المخدرات والسلاح على طول الحدود البرية بين الأردن وسورية، ومن خلال المعابر البرية.

أسوأ الآراء التي سمعتها في حياتي كان يقول إن الأردن يريد ابتزاز العرب بقصة المخدرات، ويريد استجلاب الدعم المالي، عبر التهديد بترك موجات التهريب لتصل إلى عدة دول عربية، والكلام يعبر هنا عن سفاهة عزّ نظيرها، خصوصا، أن عشرات آلاف الأردنيين يقعون سنويا في شباك المخدرات، أولا، مهربين وموزعين ومدمنين، فهي مشكلة أردنية أولا لها وجه عربي خطير، ولا تخضع للتوظيف الرخيص هنا، ولا للاستثمارات السياسية عبر الحدود.

مقالات ذات صلة