خطاب السيد… لزوم ما لا يلزم

عبد اللطيف السعدون

حرير- سألت ناشطا فلسطينيا عن رأيه في خطاب أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، أخيرا، أجاب: “انتظرنا خطاب السيد من لبنان فجاءنا من إيران”. ويبدو أن هذه “التورية” التي انتقاها الناشط، بعناية، تكفي لإعطاء انطباع موضوعي عن مضامين الخطاب الذي انتظره كثيرون على مضض، كي يعرفوا كيف يتحرّك نصر الله في هذه الأيام الصعبة، وعلى أيّ الجانبين يميل، خصوصا وقد سبق إعلام حزب الله الخطاب بجملة فيديوهات صورت مشية السيد المتئدة، والتفاتاته المحسوبة، وحركات يديه، وقلمه الأحمر، وخاتمه الأزرق اللامع، وجعل ذلك كله مريديه وخصومه، على السواء، يضربون أخماسا بأسداس!

ومع أن موقف نصر الله من أحداث غزّة الذي أعلنه في خطابه لم يرق لبعض من كان يريد سقفا أعلى، إلا أن ذلك لم يكن مستغربا من المطلعين على طبيعة العلاقة المبدئية القائمة بين حزب الله و”الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، المبنية على التزام الحزب بمرجعية ولاية الفقيه، وتماهيه مع ما تفرضه “الجمهورية الإسلامية” نفسها باعتبارها الممثلة للولاية من قيود ومواقف في التعامل إقليميا ودوليا، كما لم يكن إعلانه اتّباع سقف “متدرّج أو متدحرج”، بحسب تعبيره، في التعامل مع الحدث سوى تكريس لموقف حكومة طهران التي تمتلك، في الوقت الحاضر، عددا من أوراق اللعبة تريد استثمارها في مواجهة أميركا والغرب بما يفيد مشروعها في المنطقة، وطموحها للحصول على اعترافٍ بدورها قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة. ولا أدل على ذلك من اتّباعها صيغة مرنة في تكييف مواقفها المعلنة أخيرا، وما كشف عن “تخادم” بينها وبين الأميركيين على قاعدة “عدم توسيع رقعة الحرب”، وعن رسائل متبادلة عبر وسطاء للتهدئة إلى أن يكتمل “السيناريو” الماثل في غزّة، ومن ذلك ما نقلته “نيوزويك” عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن تبلّغت بمضمون خطاب نصر الله قبل إلقائه، كذلك ما تردّد عن تقديم إيران عروضا للوساطة بهدف إطلاق سراح أسرى أجانب لدى حركة حماس.

وبالطبع، ما حاول نصر الله فعله أن يجعل من خطابه “حمّال أوجه”، فهو، من ناحيةٍ، يطرح رؤية “براغماتية” للأحداث، محكومة بتداعيات الوضع اللبناني وما يعانيه من انكسارات تستدعي ضبط حركة الجبهة، وما تفرضه ضغوط الخارج العربي والدولي التي، هي الأخرى، تتطلّب نوعا من اعتماد صيغة التنقّل بين المرونة والشدّة. ومن ناحية ثانية، يطلق إشارات مضمرة وصفها هو نفسُه بأنها من قبيل “الغموض البنّاء”، توحي بأن خطواتٍ “عسكرية” في إطار نصرة غزّة قد يقدم عليها في أي وقت. وعلى أي حال، أخذ الخطاب كثيرا من صورة السيّد لدى جمهوره على الأخص، الذين كانوا يوهمون أنفسهم بأنه “صاحب قرار وصانع أحداث”. وقد يحتاج في المديين القصير والمتوسط إلى صنع “ضربات” مفاجئة، هنا أو هناك، كي يرمّم تلك الصورة التي أوشكت أن تتداعى، وربما يعمَد إلى تسخين جبهة مزارع شبعا والبلدات اللبنانية المحتلة، بين الفينة والأخرى، وهذا ما لمّح إليه في خطابه. وثمّة جوانب أخرى تتعلّق بتقييمه حركة الأحداث، ومساراتها المستقبلية التي تركها مفتوحة، لأن “ليس هذا وقتها”، ولأن إضفاء نوع من الضبابية على المشهد الماثل في المنطقة قد يوجِد فرصة للبحث عن خياراتٍ أخرى، للتصرّف في حينه، واتخاذ الخطوات التي يجدها متوافقة مع خطط الحزب الاستراتيجية المرسومة وفق توجيهات دولةٍ “ولاية الفقيه”.

هناك في الخطاب ما هو لافت أيضا، الرسائل التي وجّهها إلى أكثر من جهة، وسعى من خلالها إلى تبرئة إيران من أي علاقة أو معرفة مسبقة بالعملية التي أقدمت عليها “حماس” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وتأكيده على استقلالية “فصائل المقاومة” باعتبارها تملك وحدها القرار في ما تفعله، وما تخطّط له، وعلى أن إيران “تتبنى وتدعم وتساند، لكنها لا تمارس أي نوع من الوصاية عليها”.

ولافتة أيضا نظرة الإسرائيليين والأميركيين الى الخطاب، والتي اختصرها الباحث الإسرائيلي القريب من مصادر القرار في تل أبيب إيدي كوهين بتغريدته “كان الخطاب عقلانيا، ولم يعلن (نصر الله) الجهاد ضد إسرائيل، كما لم يتجرأ على الانجرار وراء الخطاب الشعبوي”.

وبالمختصر المفيد، حافظ حسن نصر الله في خطابه على وتيرة “لزوم ما لا يلزم”، ومضى تاركا مريديه وخصومه في حال انتظار، ولكن ليس كحال انتظارهم قبل الخطاب.

مقالات ذات صلة