هل تقع المواجهة بين الأردن ونتنياهو السادس؟

محمود الريماوي

حرير- يُحسِن الأردن صنعاً بإرسال إشارات تحذير، عبر قنوات دبلوماسية أو أمنية، إلى بنيامين نتنياهو، من منح مناصب وزارية لمتطرّفين معروفين في حكومته المزمعة بعد نجاح تحالفه في احتلال 64 مقعداً من مقاعد الكنيست في الانتخابات الإسرائيلية أخيرا، ولن يعبتر أحد هذا الموقف من قبيل التدخل في مسائل داخلية، بل دفاعا عن مصالح أردنية، علماً أن انطباعاتٍ تتشكّل على المسرح الدولي، وابتداء من البيت الأبيض، أن ضمّ متطرّفين إلى حكومة إسرائيلية مرتقبة هو أسوأ الخيارات. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، ازدحمت منابر إخبارية أردنية بمقالاتٍ تحذّر من عودة نتنياهو إلى الحكم، والتأثير بالغ الضرر لهذه العودة على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وعلى ما تبقى من فرص نظرية لإحلال السلام في المنطقة. وفي هذه الأثناء، يجري نتنياهو، الذي قاد حكومات 12 عاما، والذي يصفه مناصروه بأنه “ملك إسرائيل”، مشاوراتٍ متكتّمةً مع حلفائه بشأن توزيع المناصب الوزارية، وما يتصل بها من اتفاقياتٍ حزبية. وقد لوحظ أن قوى يمينية أخرى في التحالف المنافس أبدت رفضها المشاركة في الحكومة الجديدة، ومنها بالذات حزب يائير لبيد رئيس الحكومة الحالية، بينما لم يتحدّد موقف وزير الدفاع بني غانتس، الذي كان يطمح لرئاسة الحكومة، ثم اكتفى بعدئذ باللعب على الحبال في معسكر اليمين لضمان بقائه على الساحة السياسية.

تربط نتنياهو بالأردن مشاعر تتسم بانعدام الثقة وعدم التقبل الشخصي، وقد اتسمت علاقاتهما بالجفاء وانقطاع التواصل إبّان حكومة نتنياهو الأخيرة، وقد وصف الملك عبد الله الثاني العلاقات الثنائية آنذاك بأنها “في أدنى مستوياتها”، فيما كانت صحف اليمين الإسرائيلي تطلق حملات ضد الأردن وقيادته. وتعود هذه الذكريات الحديثة بقوة إلى الأذهان هذه الأيام مع اقتراب موعد تكليف نتنياهو بتشكيل حكومته السادسة (غداً الأحد). وكان من أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين الموقف الأردني الرافض صفقة القرن التي وضعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالتعاون مع نتنياهو. وهي صفقة كانت تتيح للدولة العبرية ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، إضافة إلى المستوطنات، وجميعها غير شرعية.

أما الفرسان الجدد المحتملون على الحلبة السياسية الإسرائيلية، أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، وخلفهم أنصارهم أصحاب هتاف “الموت للعرب”، فإنهم لا يتوانون عن إطلاق دعوات الترانسفير خيارا قائما ضد فلسطينيي العام 1948 في الدولة العبرية، كما ضد الرازحين تحت الاحتلال من أبناء الضفة الغربية المحتلة، وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، على غرار فرض الأمر الواقع على الحرم الإبراهيمي في الخليل، والتحكّم في موضوع المياه واستخدامه للابتزاز السياسي والتهديد بضمّ منطقة الأغوار المحاذية للأردن، وإغلاق ملف التسوية إغلاقا تاماً، واعتباره خطأ يتعين تداركه، ومحاولة إحياء صفقة القرن، وإن بدون التطرق العلني إليها (ما دام ترامب لم يعد بعد إلى البيت الأبيض..).

والحال أن نشوة الانتصار الانتخابي تستحوذ على نتنياهو ومعسكره، فالرجل يطمح إلى توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، لتشمل دولاً عربية جديدة، في مقدمتها السعودية، بتقديم إغراء الدعم ضد التهديدات الإيرانية، وإذ يتجه تفكيره إلى العالم العربي المشتت والمتضارب في مكوّناته، فإن الأردن والسلطة الفلسطينية لا يقعان في مدار تفكيره، إلا من زاوية الاستحواذ والسطو والسطوة.

ومقابل ذلك، يتمتع الأردن بمظلة دولية ضامنة غربية أساساً، مع علاقات حافظت على استقرارها ونموّها مع موسكو وبكين، ومع مظلة عربية تشمل دول السلام الإبراهيمي، وقد تلعب هذه الدول، ومعها مصر، دوراً في كبح الجموح الإسرائيلي المنتظر، ومحاولة تهدئة أي توترات مرتقبة بين عمّان وتل أبيب، ولكن بدون معالجة جذور المشكلات بين الجانبين. والأهم من ذلك هو الدعم الشعبي في إسناد الموقف الرسمي الأردني والالتفاف حوله ضد النزعة الإسرائيلية التوسّعية التي من المنتظر أن تشهد زخما كبيرا في عهد نتنياهو الذي لم يتردّد عن القول إنه يرفض “تدخلات أجنبية” في الأماكن المقدّسة، غامزا بذلك من قناة الأردن والوصاية على الأماكن المقدّسة، علما أن القوة الأجنبية الأولى والوحيدة في القدس الشرقية المحتلة هي الاحتلال، بجنوده وشرطته ومستوطنيه.

والثابت والجلي أن سياسة المفاضلة بين يمين وآخر لا تؤدّي إلى نتيجة مرجوّة، إذ هي قابلة لاستغلال قوى اليمين لها، وإلى إطلاق تنافس بينها يفضي إلى ازدهار النزعات المتطرّفة الدينية والسياسية، فقد اتسمت علاقات الأردن بحكومة نفتالي بنيت وخليفته يائير لبيد بالاستقرار، غير أن الاجتياحات المنهجية شبه اليومية للمسجد الأقصى لم تتوقف خلال ذلك. وبينما كان الأردن يدعو إلى التهدئة فقد كانت تلك الحكومة تواظب على التصعيد الدموي وهدم البيوت واعتقال مزيد من الناقمين على الاحتلال، ومن غير أن تبدي تلك الحكومة برأسيها أي استعداد لإحياء العملية التفاوضية مع الطرف الفلسطيني، باستثناء ما ورد في خطاب لبيد أمام الأمم المتحدة عن تأييده المزعوم حل الدولتين، وهو موقف لفظي لا يجد ما يسنُده على أرض الواقع.

هناك بالتأكيد ما يدلّ على أن حكومة أقصى اليمين، برئاسة نتنياهو، سوف تشكّل خطراً أشد من سابقتها، ما يقتضي يقظة أشد (مؤرّخ إسرائيلي بارز، يحيعام فايس، يصف، في مقال نُشر قبل أيام، نتنياهو بأنه، في نسخته الجديدة، مجرّد دمية في أيدي زعران)، لكن الحاجة كانت وسوف تبقى للتحذير من أعداء السلام في مختلف أوساط اليمين، من اليميني المودرن يائير لبيد ومعه بينت وبني غانتس وأفيغدور ليبرمان، إلى نتنياهو وشركائه، وتلك هي الرسالة التي تستحق توجيهها بالصيغ المناسبة والوسائل الملائمة للجمهور الإسرائيلي التي باتت تسود لدى أوسع شرائحه القناعة بأن العالم العربي رخوٌ، ويفتقد المناعة أمام سائر أشكال الاختراقات من طرف دولتهم التوسّعية المارقة.

وأقلّ ما يسع الأردن فعله إزاء هذا التطوّر أن يستأنف موقف تقليص العلاقات إلى أدنى مستوى إزاء الرجل وسياسته وحكومته المرتقبة، مع أخذ العبرة من وقائع، مثل استقبال نتنياهو بحرارة وإعجاب قاتلاً أودى بحياة شخصين أردنيين على مقربة من السفارة الإسرائيلية في عمّان، وقتل القاضي رائد زعيتر بدم بارد ما أن اجتاز نقطة الحدود الأردنية، ومواصلة التهويد القسري للمدينة المقدسة بمزيد من نهم اللصوص، وتلك بعض وقائع ميّزت حكومات بيبي السابقة.

مقالات ذات صلة