وسط تخبّط أميركي: حربٌ تلد أخرى

محمود الريماوي

حرير- تعيش منطقة الشرق الأوسط على إيقاع حرب محتملة بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وبينما يزداد التوتّر مع إجراء مناورات عسكرية إيرانية وإغلاق المجال الجوي الإيراني، ومناورات عسكرية إسرائيلية في قبرص، ومع تزايد الإنذارات من واشنطن أنها سوف تتشارك مع تل أبيب في التصدّي لهجوم إيراني في حال وقوعه، وهو ما تعبّر عنه، بين شواهد أخرى، زيارة رئيس أركان القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال إريك كوريلا، إلى تل أبيب، فإن هذا التطوّر الدراماتيكي، إذا حدث، سوف يُؤذِن بفصل جديد من الصراع الإيراني الإسرائيلي على المنطقة، مع اندفاع واشنطن إلى الوقوف إلى جانب الشركاء في تل أبيب، خلافا لسياسةٍ عبّر عنها الرئيس جو بايدن ببذل كل الجهود لمنع حربٍ إقليمية، وهي حربٌ وجدت تمهيداً ساخناً لها في قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، واستهداف قادة كبار في “الحرس الثوري” فيها. وإذا ما وقعت الحرب، تكون طهران قد غيّرت قواعد الاشتباك مع الدولة العبرية، عبر أذرعها، إلى مشاركة مباشرة من “المركز”. ونظراً إلى ما يترتّب على هذه الحرب إذا وقعت من نتائج غير مسبوقة على الأرض، مما تُدركه مُسبقاً أطرافُ المواجهة، يظلّ وقوع هذه الحرب محتملاً. ففي غمرة هذه الأجواء الداكنة، زار وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبد اللهيان سلطنة عُمان، الدولة الخليجية التي لطالما كانت مركزا للتوسّط بين طهران وواشنطن. وإلى لقائه نظيره العُماني بدر البوسعيدي، التقى عبد اللهيان في مسقط المتحدّث باسم مجموعات الحوثي محمّد عبد السلام، في إشارة إلى أن طهران تستعدّ للحرب بمشاركة الحلفاء، كما تتيح، في الوقت نفسه، فرصة للحلول الدبلوماسية بالتباحث مع الخارجية العُمانية. وفيما اقتصرت جولة رئيس الدبلوماسية الإيرانية على بيروت ودمشق بعد مسقط (وزياراته للعاصمتيْن اللبنانية والسورية شبه دائمة) يصعُب الاستنتاج أن هذه الجولة المحدودة للرجل بمنزلة تحضير الأجواء للحرب المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار أن التحرّكات الإيرانية ذات الطابع الأمني والعسكري نحو دول المنطقة لا تجري دائماً تحت الضوء.

ومهما يكن من أمر، ليست الاستهدافات الإسرائيلية للوجود الإيراني في سورية، وبغير ردّ عليها، حديثة العهد، وإنْ شهدت تصعيداً بعد “7 اكتوبر”، بعد انخراط حزب الله في مواجهة محدودة. ولطالما تحدّث مسؤولون أميركيون عن استراتيجيّتهم لهذه المرحلة، والقائمة على منع نشوب حرب إقليمية، والمقصود حرب إسرائيلية إيرانية، غير أن واشنطن لم تحرّك ساكناً تجاه رفع مخاطر نشوب هذه الحرب مع استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو ما يُسجّل نجاحاً لدعاة الحرب في تل أبيب باجتذاب واشنطن إليها، عن رضا أو على مضض، غير أن تل أبيب تنجح، بعدئذ وحتى تاريخه، في محاولة الفصل بين الحرب على غزّة وحربٍ محتملة مع إيران. لقد اعتبرت واشنطن من قبل أن استمرار الحرب على غزّة بدون أفق سياسي قد يؤدّي إلى نشوب حرب إقليمية مع إيران وأذرعها، بينما يفصل مجلس الحرب الإسرائيلي بين الحربين، الجارية وتلك المحتملة، مع إدراج الأخيرة في سياق مواجهة متقطّعة ودائمة مع إيران قوة إقليمية ساعية إلى امتلاك سلاح نووي، وكذلك في إطار السعي الإسرائيلي القديم والمتجدّد إلى إقامة حلفٍ في المنطقة ضد إيران تكون الدولة العبرية رأس الحربة فيه. وتبدو واشنطن أنها تجاهلت أن الحرب الإقليمية، إذا وقعت، سوف تكون من أعراض الحرب التدميرية على كل ما في غزّة. وهذه من النتائج السيئة لهذه الحرب قبل وقوعها إذا ما قيّض لها أن تقع، فالبيت الأبيض يتخبّط بين نقمته على استمرار حرب نتنياهو على القطاع والادعاء بصعوبة ممارسة ضغوط على الأخير وحكومته ومجلس حربه، إذ يواصل الفتك بالمدنيين الفلسطينيين على مرأى ومسمع من بايدن والعالم كله، بما فيه العالم العربي والإسلامي، فيما يمرّر البيت الأبيض له بغير خجل مزيداً من القذائف الفتّاكة.

ومن جهتها، لا تنجح طهران في إقامة رابط ظاهر، وكما ينبغي لها أن تفعل، بين استعدادها لمواجهة قوية مع تل أبيب وواقع الحرب على غزّة التي لا يريد لها نتنياهو أن تتوقّف ولا أن تنجح مفاوضات “الصفقة” مع حركة حماس. لقد جرى تمرير تسريبات أن طهران قد تعيد النظر في مخطّطها المفترض لمعاقبة تل أبيب، في حال التزمت واشنطن وتل أبيب بإيقاف الحرب على غزّة في أقرب الآجال، غير أنها تبقى تسريبات، فتصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد علي خامئني، تركّز على الانتقام من تل أبيب لاستهداف القنصلية بضربة مميتة طاولت السيادة الإيرانية، ولا تتطرّق إلى مجريات الحرب على غزّة إلا عَرضاً. في وقتٍ لا تكفّ فيه تل أبيب عن إطلاق تصريحاتٍ بأن ما يسمّيها نتنياهو الحرب على “حماس” هي، على حد زعمه، حرب على إيران وأذرعها بما فيها الحركة الفلسطينية، بينما حربُه، في واقع الحال، حربُ إبادة وتطهير عرقي، علما أن من شأن التركيز الإيراني المطلوب على فظائع الحرب في غزّة ووجوب وقفها أن يجعل طهران تنضم، بصورة واضحة، إلى أغلبية العواصم التي تدعو إلى وقف هذه الحرب الوحشية، وتحقيق هدنةٍ طويلة تؤدّي إليه، وبما يثير قدراً من تفهّم الدوافع الإيرانية، في وقتٍ يُسعّر فيه كبار العنصريين في تل أبيب من حربهم، مع نشر أكذوبة كبرى، أن من شأن تدمير قطاع غزّة على رؤوس أبنائه أن يلحق هزيمة بإيران ومحورها في المنطقة، ومع إطلاق مزيد من التهديدات السافرة المتحدّية لإيران، ذات الإرث الحافل بشعارات إزالة التهديد الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة