خاطرة

د. هاشم غرايبة

حرير- يروى أنه في حفل افتتاح أحد أضخم الجسور في #اليابان، قام المهندس الذي صممه بإلقاء نفسه عنه تاركا وراءه ورقة كتب عليها: “جربت كل أنواع متع الحياة فلم تملأ عيني، فأردت أن أجرب طعم الموت.”

يقول “جابرييل ماركيز”: “جميع الناس يعتقدون أن السعادة تكمن في أن يعيشوا على القمة، لكنهم لا يعلمون إلا بعد فوات الأوان أن لحظات #السعادة القليلة التي غنموها كانت خلال التسلق”.

انشغل كل فلاسفة الغرب ببحث متطلبات السعادة، لكن بقيت كثير من الأسئلة معلقة بلا إجابة قاطعة، ذلك لأنهم تناولوا الجانب المادي فقط، وتبين أن تلبية الإحتياجات الأساسية ليست هي التي تحققها رغم أنها ضرورية لتجفيف منابع الشقاء، فكانت الأولويات تتوالد كلما تم توفيرها، فتنتقل احتياجات كانت سابقا في مرتبة الثانويات الى مرتبة الأولويات، ومع شغور كل موقع مما تم توفيره.

فالشقاء لا يصيب فقط من لم ينل حاجاته الأساسية، بل عندما لا تحس النفس بالسكينة نتيجة الفراغ الروحي، رغم توفر المتطلبات المادية، وشعور بالوحدة والانقطاع عن الآخرين، لأن التواصل معهم محكوم بدوام جريان المال، وليس تواصلا عاطفيا صرفا، بدليل حالة الاكتئاب التي تصيب أغلب المشاهير ومفرطي الثراء.

رغم كل ذلك، يبقى الشعور بالسعادة أو الشقاء تقديرا ذاتيا، بدليل أنه لو أُخضعت مجموعة لظروف معيشية واحدة، فإن تقديرات أفرادها ستكون متباينة عن مدى شعورهم بالسعادة، مما يدل على أن للظروف الخارجية تأثيرا محدودا مقابل القرار الداخلي للشخص، والذي يعكس درجة الرضى النفسي والشعور بالسكينة الداخلية.

الفلسفة الرأسمالية التي فرضت على البشر كنظام سياسي اقتصادي اجتماعي لا خيار للدول فيه، أعطيت قدسية لم تنلها الأديان والمعتقدات، فأعلن “بوش الأب”: الديمقراطية ليست اختيارية فإما أن تؤمن بها أو تفرض عليك.

سمي ذلك: النظام العالمي الجديد، وهو يرى في الإنسان مجرد كائن حي منتج، لا يختلف كثيرا عن قطعان الدجاج البياض في المزارع المغلقة: توفر له التغذية والظروف الجيدة والرعاية الصحية والحماية من أجل انتاج أوفر، لكنها تُحبس في أقفاص وتُحرم من نظامها الفطري الحر، لكي لا تصرف جهدا إلا في انتاج البيض، وبالمثل يجتهد أصحاب المزارع البشرية (احتكاريو الرأسمالية)، في أن يبقوا الناس مفرغين من المشاعر الوجدانية والقيم الروحية.

ولهذا تجد الناس في الغرب يركضون بلا توقف، ويحاولون الإستمتاع بأوقات الراحة المحدودة بثلاثة أشياء فقط هي الطعام والشراب والجنس.

ضمن المسعى الخبيث لإدامة هذه الحالة، ابتكر الغرب “تقرير السعادة العالمي” وفق مؤشر HPI ، وهو قائمة تحدد الدول الأكثر سعادة!، وللتضليل فقد وضعوا المعايير جميعها مادية صرفة تعتمد على مستوى الدخل ومعدل الأعمار والخدمات المقدمة، في إيحاء بأن السعادة تنحصر في الإمكانيات المادية فقط.

مقالات ذات صلة