
هل يمكن تجاهل المؤثرين الرقميين؟
د. محمود أبو فروة الرجبي
ربما لا تمر مناسبة إلا ويتم انتقاد مؤثري منصات التواصل الاجتماعي، ووصفهم بأبشع الصفات، ولصق الاخفاقات التي تعاني منها أمتنا بهم، رغم أنهم يشكلون ظاهرة جديدة، والنكبات التي تصيبنا أقدم منهم بكثير، ومن جهة أخرى هناك من يقترح تجاهلهم، وعدم التعامل معهم لتقليل أضرارهم على الـمجتمع – حسب وجهة نظر هؤلاء الناس-.
لن نناقش هنا تأثيرات هؤلاء المؤثرين على الـمجتمع ككل، ولا قدرتهم على الوصول إلى جماهير عريضة، ولا الأرباح التي يحققها بعضهم وقد تصل إلى الملايين، لكن ما يهمنا هنا هو إعادة توصيف هذه الحالة لتكون أقرب للواقع، وكي نتعامل معها بعيدًا عن التشنج، والتطرف، والمأزومية.
في إحدى دوراتي الموجهة لمدراء في إحدى المؤسسات الحكومية المهمة، صدمت جزءًا من الحضور عندما دعوتهم إلى التواصل مع المؤثرين، والنقاش معهم، وإقناعهم بوجهات نظر هذه المؤسسسة، ليكونوا الوسيط مع الناس الذين يثقون بهم، وبذلك تترسخ رسالة هذه المؤسسة الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، وهذا هدف لنا جميعا – كمسؤولين ومواطنيين-.
في العادة وعندما توجه مثل هذه الدعوة، يتم استدعاء قاموس كبير من الأوصاف حول هؤلاء: تافهون، يقدمون محتوى هابطًا، لا يتحدثون بالفكر أبدا، يقضون أوقاتهم بالرقص، والتمايل، وقمة ما يقدمونه تصوير الـمطعم الذي يأكلون فيه، أو قفشاتهم غير المنطقية.
نحن نتعامل مع هذه الظاهرة كواقع، والقاعدة العقلية تقول إن التعامل مع الواقع لا يعني أبدا أننا نشجعه، أو نقبله، فهو في النهاية حقيقة يجب التعامل معها بهدوء، وروية، وذكاء، وبطريقة تقلل من سلبياته وتعظم إيجابياته.
هؤلاء المؤثرون جزء من الـمجتمع، وحسب اعتقادي فإنه ليس ذنبهم أنهم «تحصرموا» قبل الـمرور بالمراحل الطبيعية التي توصلهم إلى هذا الـمستوى، وأنا أشبه الأمر دائمًا بشخص لا يعرف استخدام سكين الـمطبخ، فاستيقظ من النوم ليجد في حضنه «مدفعًا رشاشا”، فلا هو مر بالمراحل العسكرية التي تدربه على استخداماتها، ولا هو مؤهل أصلاً لاتخاذ القرار بمثل هذا الاستعمال، وهنا تحصل المفارقة الكبيرة، والخطر الجسيم.
حسب رأيي فإننا وبدلًا من لعنة «ظاهرة المؤثرين الرقميين» لا بد من التواصل معهم، وعقد اجتماعات بحضورهم، بهدف تثقيفهم، وتعريفهم بقضايا الـمجتمع، ومدهم بما يفيدهم «لعقلنة» الـمحتوى المقدم من قبلهم، ليكونوا أداة أكثر فعالية في رفعة الـمجتمع وتثقيفه، والأخذ بيد الناس نحو التقدم، والتطور والتفكير الناقد.
قد لا يتقبل البعض منهم مثل هذه الأفكار، لأن جزءًا من نجاحهم هو «الصورة التي يقدمونها عن أنفسهم» سواء كانت إيجابية أو سلبية، ومع ذلك، فإن طبيعة الإنسان أنه يتأثر ولو جزئيًا بالرسائل التي يتلقاها، ومع مرور الوقت، وتوجيه العديد من الرسائل حول آليات بناء الـمحتوى، وكيفية تعميقه، وإثرائه، ليكون أفضل تأثيرًا على الـمجتمع قد تتغير الأمور.
المؤثرون طاقة هائلة، وقوة مؤثرة، يمكن استثمارها في خدمة الـمجتمع، وبدلًا من معاداتهم، لا بد من استيعابهم، ومحاولة توجيههم لتحقيق الأهداف العامة للدول



