السياسة والدين وقانون الإزاحة

أحمد عمر

حرير- تاه السوريون في مشارق الأرض ومغاربها. عثر كثير من السوريين الناجين من الغرق وأنياب القراصنة على أنفسهم، وذاقوا الحرية، وبرز منهم علماء ملأوا نشرات الأخبار بأخبار نبوغهم، وقد بحثتُ عن أصدقاء الصبا وزملاء الطفولة في مرايا “فيسبوك” و”تويتر” السحرية، وعثرت على بعضهم، لكن زميلًا قديمًا لي هو الذي بحث عني وضرب الرمل، حتى اهتدى إليّ.

تبادلنا التحيات بصور الإموجي وأيقونات الأشواق الحارّة، وأخبرني أنه استقرّ به النوى في ماليزيا، بعد عشر سنواتٍ في الديار المقدّسة مهندسًا عاملًا، وسنة في ألمانيا، وأنه وجد ماليزيا أعزّ مقامًا وأحسن نديًّا من الدول الأوروبية، أما أميركا التي زارها فهي بلادٌ لا يستطيع أن يقيم بها سوى ذوي الأسنان من الرجال، فهي أرض صراعٍ وفتك، وأرسل لي صورًا من دارته الماليزية، فإذا هي فيلا لها حديقة فيها أشجار استوائية سامقة تصدح فيها الأطيار بمختلف اللغات، وتتدلى منها فواكه مما يشتهون، وعبر بجانب الكراج فلمحت سيارتين فاخرتين مطهمتين، واحدة له وأخرى لزوجته، ودرّاجتين عاديتين وأخريين من نوع الفيسبا. السوري مريض بالسيارات التي حرمه النظام منها. قال لي إنه كان سيربّي زرافة في حديقة مزرعته لولا طول رقبتها. وقالها من غير ضحك، وهو رجلٌ بسّام وصاحب دعابة.

أول سؤال سألته هو عن وطنه الجديد: ما أشدّ أمر أعجب به أو منه؟ فقال: إن ماليزيا ليس فيها متسولون وأهلها لا يكفرون .. يقصد أنهم لا يجدّفون عند الغضب، وأنَّ الماليزيين قلما يتخاصمون أو تعلو أصواتهم في الأسواق، مع أنّ أرضنا مباركة في الروايات المأثورة، وتوصف بالشام الشريف، وكان الحجّاج من جبال القفقاس وجمهوريات روسيا الاستعمارية يخلعون أحذيتهم عندما يطأون أرض الشام تبرّكًا بها، فقاطعته دفاعًا عن الشعب السوري المسكين، وأخبرته بتأويل ما لم يستطع له تفسيرًا، وقلت: إنَّ السياسة والدين آنيتان في آنية الحياة المستطرقة التي تمور بها سوائل غير متجانسة، أخلاط، ويعلم كما أعلم أن نقد الرئيس يؤدّي إلى الهَلكة، فكيف بشتمه؟ بل إنّ الحديث في السياسة مكروه وفيه شبهة خطر ماحق، وقد أسبغ الرئيس السوري على نفسه صفات الآلهة، والقوانين السورية متعارضة وكتيمة وناقصة، لا يمكن عبور خرومها إلا برشوة، والحصار شديد والرزق قليل، والعدل مضطربٌ شديد الاضطراب، لذا يضطر عدد غير قليل من الغاضبين إلى التجديف، وشتم الذات الإلهية، وهم يقصدون ذات الرئيس، كما أن للتجديف والكفر تخاريج سياسية، فهو مباح، بل هو من السنّة الرسمية السورية المحبّبة، وتُبعد شبهة التدين المهلكة، وفيه عبق استرضاء السلطات التي تستطيب الأمر، وقد يكون تسرب إلى كثيرين من الغاضبين من ميراث الخدمة العسكرية، فالضباط والقادة يُكثرون من شتم الأمهات والأخوات، وهم عن سبِّ الذات الإلهية لا يفترون، حتى إنّ كثيرين من الورعين يحتالون على التجديف بسب “سماك” المشتوم تعريضًا بسمائه، أو يلعنون “رفّ” المشتوم، فأعجب بتفسيري، وقال: نجونا من القوم الظالمين وكسبنا الدنيا وربما نكسب الآخرة، وقال: إنّ سورية أمست أرض شر.

فقلت: بل إنها لا تزال أرض خير، في كل شبر فيها قبر شهيد .. وتذاكرنا الحال، فعرّجنا على ارتفاع معدّل العنصرية في أنحاء العالم الأول، فعزوت الأمر إلى وحل الآنية المستطرقة، وعدم تساوي الضغط فيها. حاربت الحكومات الأوروبية النزعات العنصرية حربًا شديدة بعد ظهور النازية والفاشية، وتساهلت في شؤون الدين والأسرة، فارتفعت سوائل الوطنيات العرقية في آنية السياسة المستطرقة. وكرّرت قولي غير مذمّم إن السياسة والدين أنبوبان متصلان من أنابيب الأواني المستطرقة التي درسناها في علوم الفيزياء، وهذا هو الحال في البلاد العربية، وما خطبة بوتين أمس الواعظة في الدين والأخلاق إلا مظهر من مظاهر قانون الآنية المستطرقة. وكان قد أخبرني أن زوجته الماليزية هي الثالثة، بعد أن فقرت برازخ القارّات بين السورية والألمانية، وقبل أن أسأله عن أسباب زيجاته وتعدّدها، قال: قانون الإزاحة في تفاعلات المعادن في الأحماض والأسس. وكنت أظنُّ سببه قانون القلوب المتقلبة بين أصابع الرحمن.

 

مقالات ذات صلة