نخشى أن تصيبنا دائرة.. زاهر المحروقي

يوم السبت السابع والعشرين من أكتوبر 2018، وهو اليوم التالي مباشرة لزيارة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني لعُمان، صرح معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، في منتدى “حوار المنامة للأمن الإقليمي” أنّ الزمن قد تغيّر و”أصبح مناسباً للتفكير بجديّة في التخلّص من المشكلات التي لا تسمح لدول المنطقة بالتطور الذي تستحقّه”. ومن ضمن ما قاله في مشاركته تلك إنّ “إسرائيل دولة موجودة في المنطقة ونحن جميعاً ندرك هذا… العالم أيضاً يدرك هذه الحقيقة، وربّما حان الوقت لمعاملة إسرائيل بنفس المعاملة، وأن تتحمّل أيضاً نفس الالتزامات”. ورأى أنّ “إسرائيل تمتلك من الإمكانيات التي تجعلها تفيد وتستفيد”.

حقيقةً، هناك فرقٌ بين وجود إسرائيل في المنطقة ككيان احتلال، وبين الاعتراف بهذا الكيان. فوجودُ إسرائيل – أساسًا – لم يتم إلا بوجود أنظمة عربية ضعيفة فاقدة للإرادة، عجزت عن المقاومة طوال سبعين عامًا من عُمر هذا الكيان؛ وهي الأنظمةُ نفسها التي حكمت الشعوب العربية بالحديد والنار، وألغت حقّ جيلٍ كاملٍ من شباب الأمة في أن يعيش بكرامة؛ فكان القمع والفقر والمرض، وتخلف هذا الجيل عن العالم، فيما تطوّرت بلدان كثيرة من العالم حتى تلك التي خاضت حروبا أهلية طاحنة، وأصبحت تهتم بالعلوم والتكنولوجيا والانتاج، في وقت انشغل فيه العرب – بسبب هذه الأنظمة – بالتقاتل والتناحر بسبب قضايا تاريخية لا تقدِّم ولا تُؤخّر في شيء، عَلِم بها المرء أو جهلها.
إنّ عبارة “إسرائيل تمتلك من الإمكانيات التي تجعلها تفيد وتستفيد” هي عبارةٌ صحيحةٌ ولا غبار عليها، لكن يجب ألا تكون الشمّاعة التي يعلِّق عليها العرب فشلهم. فإذا كانت إسرائيل تملك تلك الإمكانيات، فما هو المانع أن يمتلك العرب الإمكانيات نفسها؟. وهذا السؤال يجر إلى أسئلة أخرى كثيرة، منها على سبيل المثال: أين العرب الآن من العلوم والتكنولوجيا؟ أين هي جامعاتهم؟ وما هي ابتكاراتهم؟ وما الذي قدّموه للبشرية رغم أنهم من أكثر الأمم اهتمامًا بالألقاب العلمية التي تسبق أسماء الأشخاص؟. أليست صيحة “لدى إسرائيل ما تقدمه للوطن العربي”، هي المفتاح الكبير الذي يعتمد عليه المسؤولون العرب للتهرب من فشلهم ومسؤولياتهم تجاه شعوبهم؟. إذا كانت إسرائيل لديها ما تقدّمه، فإنّ ذلك يدلّ على فشل الأنظمة العربية التي تخلفت عن معايشة الواقع، واهتمت بالقشور، كالتنافس على بناء ناطحات السحاب وغيرها، ولم تستثمر في الإنسان، بل وقفت الحكومات العربية ضد أي رأي حر، لدرجة أن يتم استخدام المناشير في ذبح أصحاب الرأي الناصح، ونأتي بعد ذلك ونقول إنّ إسرائيل متفوقة علينا ويجب أن نستفيد مما لديها.!
هكذا فإنّ من يهرول إلى إسرائيل ويعتقد أنّ بيدها أن تقدِّم كلَّ شيء، وأن بيدها أن تحمي الأنظمة العربية من السقوط، فهو واهمٌ، وكذلك من يعتقد أنّ إسرائيل ستقدم تنازلات فهو يعيش في وهْمٍ أكبر. وبما أن معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية استعان في معرض تبريراته للتطبيع مع إسرائيل بالتاريخ الإسلامي وبما وصفها “حقائق التاريخ” بأن “التوراة جاءت في الشرق الوسط وأن أنبياء بني إسرائيل كانوا من الشرق الأوسط” وأن اليهود كان لهم وجود في المدينة المنورة، فبالعودة إلى نفس المرجعية الدينية فإنني أشير إلى قول الله تعالى في سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ منْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}. فالآيتان واضحتان بعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؛ بل هناك تحذير بأنّ من يتولاهم فهو منهم. ثم هناك إشارة واضحة قوية إلى أنّ الذين في قلوبهم مرض يوالونهم، ويحتجون بذلك بأنهم يخشون الدوائر، وهو الذي يحدث الآن من الأنظمة العربية، التي تعتقد أنّ في التسابق إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ضماناً لها من أن تصيبها دائرة، وهو اعتقاد خاطئ بكلِّ المقاييس. ولو اتضح ظاهريًا أنّ هناك من سارع فيهم ونجح، فهذا نجاح خادع كالسراب؛ فالشرعية تستمد من الداخل ومن الشعوب، ولن تستمد أبدا من تل أبيب أو واشنطن. ونعيد التأكيد على أن الفلسطينيين يجب أن يتركوا خلافاتهم جانبًا، إذ يبدو من تنصّل العرب دولةً إثر دولة أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية خاصة بهم فقط، ولن تحلها مفاوضات الاستسلام، وإنما الثبات على المبادئ.

مقالات ذات صلة