بلا مجاملة

د. هاشم غرايبة

حرير- لا مجال للمقارنة بين #أوضاع #الشعوب_الأوروبية و #العربية، على صعيد #رغد_العيش وتوفر كل متطلبات الحياة العصرية من خدمات ومرافق ووسائل مواصلات، والأهم من كل ذلك احترام #الكرامة_البشرية و #حقوق_المواطنين، وانعدام فساد التعدي على المال العام، وتطبيق القوانين على الجميع بلا محاباة.

لكنه حين البحث عن العوامل التي أوصلتهم لهذا المستوى، هنالك الكثير مما يحتاج تفصيلا، يتعلق بطبيعة نظام الحكم، لسنا هنا في صدد بحثه في هذا المقال، لكنه من الخطأ الكبير اختزاله بتفسير بعض المغرضين السطحيي التفكير، المنطلقين من العداء لمنهج الله، بأن ذلك عائد الى صوابية منهجهم مقابل خطأ منهجنا، لأنه بكل بساطة: منهجهم ليس المسيحية، مثلما أن منهجنا ليس هو الإسلام.

هم يقولون ان منهجهم العلمانية، وليست المسيحية سوى ثقافة مجتمعية، لو دققنا في هذا القول سنجد أنه محض هراء، فتعاليم المسيح كانت بنشر ثقافة منهج الله، القائمة على التسامح والسلام ومحبة الآخرين.

الأوروبيون كل تاريخهم حروب ودمار ودماء، منذ صراعات القبائل الجرمانية والأنجلو سكسونية، وقبلها مجازر (الفايكنج) وفضائع (الهون) ومذابح (أتيلا) وحرائق (نيرون).

منذ القرن الرابع دخلوا المسيحية، لكن طبائع العدوان فيهم لم تتغير قيد أنملة، بل استعرت أكثر في حروب أكثر دموية، وأبلغ تدميراً…فأين أثر المسيحية فيهم، وأين انعكاس قيمها في ثقافتهم؟ .. ومتى أدارت دولة أوروبية خدها الأيسر إن لطمت على الأيمن؟؟؟.

بل هم بدلوا فيها فاستغلوها كما استثمارهم كل الأمور أخرى، فتشكلت طبقة رجال الدين، استبدت وحققت امتيازات لمصلحتها وليست للعقيدة، ثم سخرتها الطبقة الحاكمة لتحقيق أطماعها التوسعية في الحروب الصليبية، منها إقرار الكنيسة “قانون البكورة” الذي يمنح الإبن البكر فقط إرث ولقب أبيه النبيل، ولا يسمح لأبنائه الآخرين الحصول عليه إلا إن حارب الوثنيين (المسلمين) في أرض قبر المسيح.

بعد أن عمت العلمانية في أوروبا وانحسر تأثير الكنيسة، أصبحت عندهم المسيحية تراثا يستنجد به عند الضرورة، ولعل أوضح صورة لاستدعائها كانت عند محاولة تركيا الانضمام الى الإتحاد الأوروبي، عندما رد “هيلموت كول”: إن تركيا المسلمة غير مرحب بها في ناد مسيحي.

في جميع الأحوال، يظهر جلياً أن الموضوع ليس تمسكا بالمسيحية بقدر ما هو رفض للإسلام، ففي فرنسا أصبح الاستنجاد بالعلمانية، التي باتت لدى الساذجين والبلهاء عقيدة ومنهجا، مع أنها مبدأ بسيط قوامه احترام حرية الفرد بانتهاج معتقده، لكن تطبيقه مطاط ومعتمد على تفسيرات السلطة الحاكمة.

ففي فرنسا (معقل العلمانية)، وخلال الشهور المنقضية من عام 2022 فقط، تم إغلاق أكثر من سبعين مسجدا، وعشرات المراكز الثقافية التابعة للأقلية الفرنسية المسلمة، كما أن الداعية (حسن ايكويسن) الذي تحظى أفكاره بقبول كبير، ورغم أنه مولود في فرنسا، فقد حكمت المحكمة بترحليه الى المغرب، بتهمة إنشائية مطاطة هي (أنه يشكل خطرا على العلمانية)، مع أنه لم تسجل عليه أية مخالفة لقوانينهم، وعندما خرج من فرنسا لينجو من القرار الظالم، حشدت أوروبا كل قواها حتى تمكنت من القبض عليه في بلجيكا.

لقد أصبح واضحا أنه بعد أن أنجزت العلمانية الأوروبية القضاء على سلطة الكنيسة، انحصر الدور المعاصر لها بالتصدي لدخول الأوروبيين الإسلام، الذي تزايد انتشاره بعد أن أوصله لهم الدعاة على حقيقته، الذين نجحوا بكشف زيف الصورة المضللة التي رسخها التعصب في الذاكرة الجمعية الأوروبية خلال القرون الماضية.

لذلك باتت العلمانية مجرد شعارات فضفاضة مفرغة من المضمون، تستحضر وقت الحاجة.

فأين احترام حرية معتقد الفرنسيين المسلمين في ظل قانون (ماكرون)، الذي يعتبرهم انفصاليين، وأنهم خطر على الجمهورية؟.

أليست أهم قيم العلمانية احترام حقوق الأقليات بالمحافظة على خصوصياتهم الثقافية، وعدم إكراهها على الحاقها بثقافة الأغلبية؟.

بالمقابل حكم المسلمون إسبانيا أكثر من سبعة قرون، لم يكرهوا فيها أحدا على تغيير خصوصيته الثقافية ولا أغلقوا كنيسة ولا نفوا شخصا بتهمة معاداة الإسلام.

نخلص إذاً الى أن الأكثر خروجا على القيم الإنسانية العليا، هم من يتبجحون بالمحافظة على العلمانية ويدّعون أن معاداتهم للإسلام سببها خوفهم عليها.

والأكثر التزاما به هو المنهج الإلهي المحايد بين البشر، والمسطور في كتاب لا يمكن تعديله ولا التلاعب بأحكامه.

مقالات ذات صلة