“السلطة” كنقيض للمقاومة في فلسطين..!

علاء الدين أبو زينة

حرير- في الحالة الفلسطينية تسطو دلالة «السلطة» على جوهر ووظيفة الجهة التي عينت نفسها قائدة لما يُفترض أن تكون حركة تحرر وطني. وإذا وُصف تكوين بأنه «سلطة»، فإنه سيعتقد بالصواب الذاتي، والأحقية في احتكار الأدوات لفرض رؤيته -على الذين بلا سلطة.

في المقابل، تنطوي توصيفات «المقاومة»، أو «المعارضة»، على دلالة «تحتية» -موضوعياً. ثمة شيء فوقي، «سلطة» تحاول المقاومة/ المعارضة موازنته -والتغلب عليه. وبأي مقاربة ممكنة، لا يمكن أن يكون الشعب الفلسطيني كله –قيادة وشعباً- الآن سوى في وضع المحكوم المتعارض مع نقيضه الجذري والوجودي: الاستعمار الصهيوني. ولا يمكن أن يكون في تركيبته أي تكوين يُمكن أن يُسمى «سلطة». إن وجود «سلطة» فلسطينية سيضع الشعب الفلسطيني في مواجهة سلطتين فحسب. وسيعني –كما يحدث- فرز جزء منه لجهة الآخر، الفوقي، السلطوي، النقيض.

لذلك بالضبط، تصلح سمة «السلطة» تماماً لوصف «السلطة الفلسطينية» بما هي عليه. إنها لا تتحرر من فخ الاسم بقدر ما تجسده، فتضع نفسها فوق شعبها وتنضم إلى الاحتلال في الممارسة. ولا تتكلف «السلطة» حتى عناء إخفاء هذا الانحياز، فتعلن أن «التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس». وهو «تنسيق» يعمل فقط في اتجاه واحد: إحباط المقاومة الفلسطينية بكل تعبيراتها، سواء بمنع استهداف العدو ميدانياً، أو بإسكات أي صوت فلسطيني معارض لسياسات «السلطة» تجعل وجودها مقبولا للاحتلال القادر على تفكيكها بمجرد أن تتعارض معه.

تدين «السلطة» علنا أعمال المقاومة الفلسطينية، الكبيرة والصغيرة، ضد الاحتلال ولا تخجل من وصفها بـ»العنف» –الذي يُترجم إلى «إرهاب- يجب وقفه. وبهذه الإعلانات، كأن «السلطة» تعتذر عما يُعتبر، في رأي العدو ورعاته- فشلها في أداء وظيفتها المحدّدة لشرعيتها: تقييد أيدي الفلسطينيين عن المقاومة و»التحريض» ضد الاحتلال. وللتعويض، تحاول السلطة تقييد الفلسطينيين وقائيا –بوضع أيديهم، حرفيا، بالأصفاد التي تزودها بها أميركا وتحت فوهات البنادق التي يعطونها لها كـ»مساعدات لا يمكن وقفها». ومن ذلك كان اعتقال «السلطة» الأسبوع الماضي مصعب اشتية، أحد أبرز المطلوبين للكيان بتهمة المقاومة. وفي الواقع، تفعل «السلطة» ذلك أيضاً انسجاماً مع فكرتها التي تعرضها كإيمان: العداء المطلق لخيار المقاومة المسلحة والتبرؤ منه، بل وتجريم المدافعين عنه، والتركيز فقط على «عملية السلام» التي حكَم بعبثيتها وموتها القاصي والداني.

سمعتُ من مسؤول في «السلطة» ذات مرة أنهم يعتقلون المطلوب للكيان حتى يحموه: من البديهي، بعد كل شيء، أن يكون احتجازه لدى الإخوة أحن عليه من اعتقاله لدى العدو. حبذا لو يكون الأمر كذلك! حبذا لو أن «الأمن الفلسطيني» يمارس ما يعنيه اسمه: حفظ أمن وكرامة الفلسطيني. وإذا كان الأمر كذلك، يُفترض أن يوضع المقاوم المطلوب للكيان في حجز خمس نجوم، مع إفهامه بأن اعتقاله حيلة هدفها تجنيبه إذلال الأسر أو الاغتيال الحتمي على يد الكيان. وعندئذٍ، سيكون كل ما يقال عن إساءة معاملة معتقلي السلطة وتعذيبهم قنابل دخانية لا صلة لها بالحقيقة. وستفعل «السلطة» بذلك ما يفعله الكيان بمستوطنيه وجنوده الذين يقتلون الفلسطينيين وتعاملهم كأبطال. ويجب أن تشترط «السلطة» عدم دخول شرطة الاحتلال وجنوده إلى مناطقها لاعتقال واغتيال مواطنيها تحت أنفها.

ينبغي في الأساس أن يكون عمل القيادة الفلسطينية هو حفظ بقاء الفلسطينيين. وسيكون أسوأ فهم وممارسة لهذه الفكرة هو منع الفلسطينيين من المقاومة -حتى بذريعة حمايتهم من الاعتقال والقتل على أساس عدم تكافؤ القوى. سيكون ذلك مثل أب يُرغم أولاده على الجلوس مكتوفي الأيدي في غرفة من البيت، تحت تهديد السلاح، بينما تقوم عصابة بتهديم أسوار البيت وقلع أشجاره، وتكسير أثاثه، وقتل ونفي وسجن الأشقاء الذين خارج الغرفة -حتى وهو يعرف أن الغرفة الأخيرة بلا باب واقتحامها في المتناول. إنه تفكير انتحاري، على أقل تقدير.

أما إذا تقاتل الأب والأبناء -هو على أساس الوصاية والتذرع بحمايتهم، وهم على أساس أن البقاء يعني اغتنام الفرصة التي تتيحها المقاومة، فذلك أفضل مشهد يمكن أن تقع عليه عين العدو. وهو ما كان بالضبط عنوان الأسبوع الماضي: «اشتباكات مسلحة بين قوات أمن السلطة الفلسطينية ومسلحين فلسطينيين بسبب اعتقال السلطة المطلوب رقم واحد لقوات الاحتلال الصهيوني». وتفسير ذلك: الاستجابة لاتهامات الكيان للسلطة بالتقاعس في التنسيق الأمني عقب العمليات الفلسطينية الجريئة ضد جنود العدو ومستوطنيه.

إذا كان همّ «السلطة» الوحيد هو طمأنة الاحتلال إلى قدرتها على قمع مواطنيها كشرط لبقائها، فلا نعرف كيف يحمي ذلك الفلسطينيين، أو يخدم قضيتهم، أو يحررهم من أي شيء. إن فرصة الفلسطينيين في البقاء تتلخص في المقاومة بكل وسيلة ضد الشطب. وإحباط مقاومتهم يعني المساهمة في هذا الشطب، فحسب.

مقالات ذات صلة