أبطال المختبرات.. يوسف غيشان

 ليش الكذب!!

نحن العربان بشكل عام، شعب مفصوم تماما، ونحتاج الى علاج جماعي، كما في احد مسرحيات غوار الطوشة. نعاني من الإحباط والسوداوية والثنائية- وربما الثلاثية- القطبية، ومن الشيزوفرينيا، مجروحون نرجسيا مأزومون روحيا.
يسألون عن سبب هذا التناقض الغريب بين ماضينا وحاضرنا، أما أنا فأقول، بأننا صنعنا لأجيالنا الشابة تاريخا مختبريا تحت ظروف مختبرية، ونطالبهم بالتمثل به، وهذا مستحيل وغير صحيح على الاطلاق، ويؤدي حتما الى احباط الشباب وهروبهم وتهربهم من ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم معا، والوقوع في مطب الاغتراب التام.
من لا يصدقني فيشاهد احدى المسلسلات التاريخية التي تحكي عن ابطالنا العرب في العصر التليد. لا اخفيكم ان موجة اكتئاب تطيح بي وأنا اشاهد هؤلاء الرجال العظام فعلا، وقد تحولوا الى كائنات اسطورية، معجونة من الشجاعة والكرم والسؤدد المحض…. لا علاقة لها بالواقع، لكأنهم كائنات تم استحضارها من الفضاء الخارجي.
كم انا مسرور ان هذه المسلسلات التاريخية قد انحسرت قليلا، أنا مسرور فعلا لاعتقادي بأن تلك المسلسلات تسيء إلى الأبطال التاريخيين، حينما تصنع منهم كائنات سينمائية معزولة عن إنسانيتها.. إنها مجرد كائنات من أنصاف الآلهة التي لا تخطئ أبدا، وهي مجرد كتلة من الشجاعة والعفة والمروءة والشمم والإباء والكبرياء والإخلاص… وما إلى ذلك من مفردات.
لذلك يتلقى الشاب العربي جرعة عن مثال من الماضي مصنوع في المختبر، ويعتقد بأن الماضي كان هكذا، وان وسيلتنا للتحرر  لن تكون إلا بالعودة للماضي العتيد، وأن نكون مثلهم.. ولن نستطيع طبعا.
أما نحن الذين ابتلينا بقراءة التاريخ، كما هو بلا رتوش ولا تصنيع، فإننا ندرك كم تعطي هذه المسلسلات التاريخية فكرة مزورة ومفصولة ومفصومة عن الواقع.
أبطالنا ليسوا ملائكة، بل هم بشر خطاؤون، حتى الأنبياء منهم. ومثل هذه المسلسلات صنعت وتصنع شبابا مفصومين عن واقعهم الحقيقي وعن ماضيهم الحقيقي … فلا يفهمون ماضيهم ولا حاضرهم، وبالتأكيد لا يفهمون السبل الحقيقية والفعلية لصنع مستقبلهم الحقيقي.
ترى هل نستطيع في المستقبل انتاج مسلسلات أكثر واقعية يمكنها أن تساهم في بناء أجيال جديدة أكثر واقعية؟؟

مقالات ذات صلة