في الدفاع عن حقّ المقاومة وعن حماس

عمار ديوب

حرير- ليست قضايا الدفاع عن الحقوق قضايا حسابية، خاضعة لمبادئ التجارة والربح والخسارة. وبالتأكيد، لا تُحسب عبر كلماتٍ من هذا القبيل: كم كلّفت عملية المقاومة العدو، وكم قُتِل من الفلسطينيين أو المقاومين، وكم هي كلفة إعادة إعمار غزّة.

هذه معادلة منطقيّة منحطّة؛ إن الدفاع عن الحقوق يستدعي بالضرورة التضحيات، وإنْ كانت ليست هي الهدف بذاته، وهو تاريخ التحرّر من الاستعمار ومن الاستبداد! وبالتالي، إن مقاومة دولة الاحتلال، تقتضي بالضرورة التضحيات والشهداء والدمار، وهو ما لا تبتغي حدوثه المقاومة، ولكن لا يمكن استعادة الحقوق دون ذلك، ما دام الاستعمار، والدول الداعمة له، تستخدم كل أنواع السلاح للإجهاز على السكان الأصليين.

لقد جرّب الفلسطينيون مشروع الدولة، وقضت عليه دولة الاحتلال، حينما لم تنفذ اتفاقيات أوسلو، ونُسقِط من حساباتنا رفض بعض القوى الفلسطينية لتلك الاتفاقيات؛ فلو فَكّكت دولة الاحتلال المستوطنات وأعيدت القدس ورُسمت الحدود وسُمِح للاجئين بالعودة لما كان لذلك الرفض قيمة وأهمية، وكانت “حماس” ذاتها ليس بالقوة الحالية! وأيضاً لو قَبِلَ الاحتلال بمبادرة السلام العربية 2002.

المقصد أنّه لم يبقَ للفلسطينيين إلّا العودة إلى المقاومة، وإن ممارسات دولة الاحتلال ومنذ تشكلّها، وفي السنوات الأخيرة لم تترك خياراً آخر سوى المقاومة، السلمية والمسلحة، وسواها، وهي تدفع الفلسطينيين إلى رفض خيار الدولتين، وتركيز النضال والجهد الثوري للعمل من أجل الدولة الواحدة.

الثرثرات عن العقلانية وضرورة الابتعاد عن العاطفية والحماس توصي بتعزيز السلطة الفلسطينية، ومحمود عبّاس ذاته وسلطته، يرفضون المقاومة المسلحة، ويتبنّون المقاومة السلمية والثرثرات ذاتها، وإنْ كذباً. ولكن ماذا كانت الحصيلة من جرّاء ذلك كله؟ الحصيلة، هي توسّع الاستيطان في الضفة الغربية، والتضييق على فلسطينيي 1948، لدفعهم إلى الهجرة، وقيام قوات الكيان باقتحامات مستمرّة لمدن الضفة واعتقال المناضلين وقتلهم، وقد ارتفع عدد الشهداء منذ “طوفان الأقصى” إلى أكثر من 215 شهيداً وآلاف المعتقلين ومئات الاقتحامات وتدمير المنازل وتخريب البنية التحتية وترهيب السكان، والأسوأ تسليح المستوطنين، واعتداءاتهم على الفلسطينيين في القرى والبلدات، ومحاولة سرق أراضيهم وتهجيرهم.

لا تتيح دولة الكيان للفلسطينيين خيارات أخرى خارج المقاومة، السلمية أو العسكرية، وسواها. وبالتالي، ليس في الأفق أيّة إمكانية لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في 1967، وهذا ما يجب أن تفهمه كل القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، ووضع استراتيجية ثورية من جديد، ولكل القوى وللشعب الفلسطيني، وبشكل مشترك، وهو ما يجب أن تفهمه الدول العربية كذلك.

كانت عملية طوفان الأقصى بسبب تراكم طوفان الاعتداءات الصهيونية، والتي تتّجه نحو دولة يهودية خالصة، وتهجير أهل قطاع غزة والضفة الغربية والـ48، وإلا ما معنى الدولة اليهودية! وضعت هذه العملية كل الدول العربية والعالم أمام مسؤولياته من جديد، وفي ضرورة لجم دولة الاحتلال عن مشروع التهجير وضرورة حلّ القضية الفلسطينية، ووفقاً للقرارات الدولية أو وفقاً لحقوق الشعوب باستعادة أراضيها ودولتها، وهذا بالضبط ما يخيف دولة الاحتلال والإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية.

العدوان الهمجي على غزّة والدعم الأميركي وبعض الدول الأوروبية هو لتحجيم أثر هذه العملية؛ إن القول بأنّه لم تحدُث إلّا آثار سلبية على الفلسطينيين، وهي تعجّل بالتهجير وبتغييب الحلم بتشكيل دولة فلسطينية، محض أكاذيب وتفكير مهزوم وتغيب وقائع الإجهاز الصهيوني على اتفاقيات أوسلو، وهو أيضاً تبريرٌ للدول المطبّعة مع الكيان، كي لا تقوم بواجباتها نحو فلسطين أو توقف اتفاقيات التطبيع.

أظهرت عملية طوفان الأقصى أهمية القضية الفلسطينية عالمياً، وقد أوضحت المظاهرات التي عمّت العالم أن كل الرواية والسردية الصهيونية عن العملية وعن “حماس” وعن القضية الفلسطينية سرديات كاذبة وغير ذات مصداقية، وأن الرواية الفلسطينية هي الأصل في النظر إلى فلسطين وشعبها، والمنطلقة من وجود استعمار استيطاني، وإن للشعب الفلسطيني كل الحقّ بالمقاومة، وبكل أشكالها.

كما يعاني الفلسطينيون من دولة الكيان، كذلك تعاني الشعوب العربية من أنظمتها، وإذا سارت بعض هذه الأخيرة في خيارات التطبيع، ولم تنهها رغم كل جرائم العدوان على غزّة والضفة والـ48، فإن على هذه الشعوب أن تعي التداخل العميق بين أنظمة “التطبيع” والكيان الصهيوني، وأنهما حلفاء في معركةٍ واحدة، ويسعيان إلى الإجهاز على نضال المقاومة ونضالات الشعوب العربية.

رغم الفقرة السابقة، نقول إن دولة الكيان لم تترُك مجالاً لبعض الدول المطبّعة معها إلّا رفض خيارات تهجير الفلسطينيين أو رفض العدوان والمطالبة بإيقافه. كانت هذه المواقف للحدّ من الغضب الشعبي ولتأمين الاستقرار، وكذلك لمواجهة التعدّيات الصهيونية التي تجاوزت الحدود المسموح بها مع الدول المطبّعة.

لهذه الدول ولكتّابها “العقلاء للغاية”؛ إن دولة الكيان لا تسمح لهذه الدول بأيِّ تطورٍ مستقلّ، أو نديٍّ معها، وكل أشكال التطور، الاقتصادي، والعسكري، والأمني، والسياسي، يجب ألا تتجاوز دولة الكيان، وأن تكون بالشراكة معه. وللدقّة، فإن ذلك الكيان “خُلِقً” لمنع نهوض الدول العربية بالأصل.

الخيارات الوحيدة أمام القوى الفلسطينية، وفي مقدّمتها “حماس”، هي المقاومة، وهي حقّ أمميٌّ، وبالتالي، لا بد من رؤى سياسية مستقبلية للشعب الفلسطيني لا تنطلق من تعزيز السلطة في الضفة الغربية، وتنطلق من التأكيد على الحقّ بالمقاومة، وتفكيك كل أشكال السلطات الفلسطينية المعيقة تطوّر المقاومة، وبما يسمح للشعب الفلسطيني الوصول إلى حقوقه.

ليس بسيطاً ما جاء أعلاه، سيما أن مبادرات سياسية كثيرة تنطلق من الحديث عمّا بعد حركة حماس، “مشاريع” اليوم التالي، وهو ما لا ترفضه دول عربية وعالمية كثيرة، وحتى السلطة الفلسطينية!

صمود المقاومة في غزّة، والتفاوض مع حركة حماس لإطلاق الأسرى، مؤشّراتٌ أوليّةٌ على أن المخطط الصهيوني والأميركي للتهجير قد فَشِل، وإن “حماس” باقية، وشعبيتها في ازدياد، وهذا يوضح قصور الرؤية التي تفترض اجتثاثها، وتثرثر عن مدِّ السلطة مؤسّساتها إلى غزّة. القضية الآن هي تعزيز خيار المقاومة، وإيقاف العدوان، والعودة إلى القرارات الدولية المنصفة للشعب الفلسطيني؛ وأن “حماس” جزءٌ من الشعب الفلسطيني، هذا أولاً. والمقاومة من حقّ “حماس” وسواها، هذا ثانياً، وأيّة مبادرات مستقبلية يجب أن تنطلق من هذه الحيثية، وإلّا فهي مبادراتٌ تنطلق من الرؤية الصهيونية الإبادية، والتي تقول بضرورة ليس اجتثاث “حماس” بل والقضية الفلسطينية ذاتها، في غزّة والضفة الغربية وأراضي ال 48، وإخضاع كل الدول العربية لسلطة دولة الاحتلال، وهي الغاية الحقيقية من كل اتفاقيات التطبيع.

مقالات ذات صلة