تحولات مثيرة … رحيل غرايبة

الأخبار تحدثت خلال الأيام القليلة السابقة عن توقيع صفقة ضخمة بين الصين والكويت تقدر بـ ( 450) مليار دولار، تنفذ الصين بموجبها إعمار جزيرتي «ميلكا، وبوبيان» في الخليج العربي، وهذه الصفقة تقضي بتعهد الصين أيضاً بوضع وديعة في البنك المركزي الكويتي، بالإضافة إلى خدمات أخرى على هامش الصفقة، ومن أهم آثار هذه الصفقة أن الصين معنية بتوفير الحماية العسكرية والبيئة الأمنية المناسبة لمدة تصل إلى (95) عاماً.
لقد استطاعت دولة الكويت أن تقرأ المشهد بدقة وعناية، ووقفت على حقيقة التحولات الكبرى التي سوف تكون سمة بارزة للقرن القادم على الصعيد العالمي والإقليمي وسوف يكون العالم العربي ساحة مواجهة بين العمالقة على المستوى الدولي، والمواجهة الكبرى سوف تكون اقتصادية في الدرجة الأولى بين القطبين العملاقين على الصعيد الاقتصادي العالمي الولايات المتحدة والصين، ومنذ مجيء الرئيس الامريكي الجديد أعلن نية الولايات المتحدة للمرحلة القادمة التي تتمثل بالعناية بالأولوية الاقتصادية، ويتم برمجة هذه الأولوية بوقف تقدم العملاق الصيني من خلال حزمة إجراءات صارمة وقاسية من أجل حماية مصالح الولايات المتحدة ولو أدى ذلك إلى الخروج من منظمة التجارة العالمية وكل التعهدات والاتفاقات التي تلحق الضرر بمستقبل الأمريكيين بحسب وجهة نظر ( ترامب ) رجل المال والأعمال بالدرجة الأولى.
التحرشات الامريكية بكوريا الشمالية، وكذلك إيران تأتي في سياق الحوار غير المباشر مع الصين وحلفائها، كما كشر رئيس الولايات المتحدة عن أنيابه باتجاه حلفائه أولاً، فكانت الغزوة الأولى نحو الخليج، حيث رفع شعار ضرورة دفع هؤلاء الحلفاء ثمن الحماية التي توفرها الولايات المتحدة مما جعله يحصل على مبالغ كبيرة من الخليجيين بطريقة استعلائية استعمارية تخلو من الدبلوماسية، وكذلك ظهرت لغة ترامب القاسية في الحديث مع حلفائه الاوروبيين الذي فرض عليهم دفع مليارات إضافية أيضاً في السياق نفسه.
الصين عازمة على المضي في التقدم على صعيد الزحف المنظم الذي دشنته منذ عدة سنوات على صعيد الغزو الاقتصادي لأسواق العالم، واستطاعت تحقيق نجاح باهر في هذا المجال، وهي تخطط لتصبح القوة الاقتصادية الأولى خلال عدة سنوات قادمة، وهي مازالت تحقق رجحاناً كبيراً في ميزانها التجاري، ومازالت تحقق نسب نمو مرتفع في اقتصادها متقدمة على أغلب دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، ولديها خطط مستقبلية مثيرة في هذا المجال، فهي تخطط لإحياء طريق الحرير، عن طريق انشاء سكة قطارات سريعة واسطورية تصل القارة الاوروبية خلال مدة زمنية قريبة، كما أنها تعمل على إحياء الطريق التجاري البحري عن طريق إعادة تأهيل الموانئ الباكستانية القديمة، لتشكيل فكي كماشة حول الكرة الأرضية.
العالم العربي يدخل مرحلة التحولات العالمية الكبرى، وهو غير مستعد، فالعرب لم يستطيعوا تشكيل تكتل اقتصادي موحد ولم يستطيعوا انشاء سوق اقتصادية عربية واحدة، بل عمدت بعض الدول إلى المضي منفردة في سياق الاستقطاب العالمي دون خطة علمية مدروسة تقوم على البعد الاستراتيجي العربي ودون تحقيق الحد الأدنى من مقومات الجسم العربي القادر على التعامل مع هذه التحولات برؤية موحدة، وإذا بقي بعض المغامرين يسوقون دولهم في هذه المتاهة فهم يسوقون شعوبهم ومنطقتهم نحو الاندثار.
أعتقد أن العرب معنيون بالصحوة واليقظة في هذه المحطة المهمة في التاريخ العربي المعاصر، وهم يملكون الخيارات المهمة من أجل عدم الاستسلام للسياسات الأمريكية المتغطرسة من خلال التوجه نحو الصين ولكن ذلك يجب أن يسبقه تكتل عربي اقتصادي موحد له وزن معتبر على صعيد الموازنات العالمية بالدرجة الأولى.

مقالات ذات صلة