هل تنجح دبلوماسية الأردن في عقلنة الأسد؟

غازي دحمان

حرير- ثمّة فرقٌ بين أن تصنع سياسة خارجية تستند فيها إلى مشورة الخبراء وجهات رديفة، مثل مراكز البحث، وأن تتم صناعة هذه السياسة عبر غرف عمليات يتولاها الجيش والأجهزة الأمنية والقوات الرديفة، فمن الصعب وصول الطرفين إلى قواسم مشتركة للبناء عليها في تطوير العلاقة والوصول عبرها إلى تفاهمات حقيقية، بسبب عدم توازن الوسائل الذي يؤدّي إلى عدم توازن القوى.

يجسّد هذا التوصيف العلاقة بين عمّان ودمشق، إذ يبدو أن السياسة الأردنية المنفتحة، إلى حد ما، تشرك في صناعتها الخبراء، وتأخذ بعين الاعتبار توصيات مراكز التفكير، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى، مصدرها مجلس النواب وبعض قطاعات المجتمع المدني. في المقابل، صناعة السياسة الخارجية السورية تسيطر عليها الأجهزة ولديها اعتبارات وحسابات خاصة بعيدة كل البعد عن منطق إدارة العلاقات الخارجية القائمة على المصالح بالدرجة الأساس.

الداعي لهذا الكلام، زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، دمشق ولقاؤه مع رأس النظام السوري، ويبدو أنها تأتي في سياق عملية انفتاح أردني على نظام الأسد، مدفوعةً باعتبارات سياسية وأمنية، الهدف منها تخفيض المخاطر الأمنية القادمة من هذا النظام على الأردن، إذ لم يعد سرّا أن الأردن بات مهدّدا بدرجة كبيرة من سياسات هذا النظام، وقد لا تكون المخدّرات سوى إحدى أدوات هزّ استقرار الأردن، على اعتبار أنه في هذه اللحظة لا يملك أداة غيرها أو أكثر فعالية منها.

ليس سرّا أن الأردن، الذي يملك معطيات كثيرة عن عدوانية النظام، يسعى، عبر خطواته، إلى تغيير اتجاهات سياسته. والواضح أنه يستخدم خليطا من أدوات وأساليب، يمكن للخبثاء وصفها بأنها نوع من الرشوة أو التخجيل عسى أن تؤثّر في صانع القرار السوري، أو توقظه من غفلته، حيث يعتبر بعضهم، مثلا، أن الأسد لا علم له بتجارة المخدّرات، وأن من يقوم بها الإيرانيون وماهر الأسد، وأن تؤدّي الخطوات الأردنية إلى انقسام داخل العصبة السورية الحاكمة.

بالطبع، تدخل هذه السياسات في إطار الاحتمالات، بمعنى أنها قد تصيب وقد تخيب، إذ يدرك الأردن أن نظام الأسد قد أفرغ العلاقات من كل محتوى، إلى درجةٍ لم تبق بين الطرفين حيثيات للتحدّث بها. وهنا، بالعودة إلى الخبثاء، يقول أحدهم، إن الصفدي، وبعد أن أنهى عبارات المجاملة والتعزية بضحايا الزلزال، لم يجد ما يقوله، فقال للأسد إن الطبخة الأخيرة من الكبتاغون كانت جيدة، وإن الذواقين قالوا إنها أفضل من الشحنات السابقة التي أوقفناها.

بالعودة إلى الجانب السوري، فهو يدير علاقاته مع الأردن عبر غرف عمليات تنتشر في جنوب سورية ودمشق، ويرفض نظام الأسد نزع الخوذة، ويعتبر أنه ما زال في مرحلة حرب مع الأردن، بدليل أن إعلامه، والإعلام الرفيد له، لا ينفكّ يتحدّث بين فترة وأخرى عن عودة غرفة الموك، أو أنها ما زالت قائمة، كلّما حصلت أحداث أمنية في درعا والسويداء. وعلى هذا الأساس، هو يعتقد أن المخدرات واللاجئين أدوات ضرورية في هذه الحرب، ومن غير المنطقي أن يتخلّى عنها.

انطلاقا من ذلك، سينظر الأسد إلى زيارة الصفدي وإلى كل خطوة للتقارب معه أنها ضعف وهزيمة للأردن. وبما أنه يرغب في تحقيق أكبر درجةٍ من النصر، فإنه سيشدّد على المسار الذي جرى اتباعه والأدوات التي استخدمها، وحقّق من خلالها هذا النصر، وهي حرب المخدّرات، وربما ما هو أسوأ، فالحرب بالنسبة له، وبناء على ما تعلمه، ليس لها قلب، وهو يخوض حربا وجودية، ولا يوجد في قاموسه شيء اسمه طي صفحة الماضي، فالأردن الذي اشترك في يوم ما في حربٍ ضده لن يمنعه أي سبب لخوض حرب مستقبلية ضد حكمه الأبدي، لذا فالحل الأنجع الاستمرار في استنزافه وإضعافه.

ثمّة سؤال بات طرحُه ملحّاً: تُرى، ألم يحن الوقت للأردن أو لغيره من العرب الاقتناع بأن الأسد ليس من النوع الذي يتأثر بسياسات الودّ والتقارب والإغراء بالفرص وفتح الأبواب والقنوات الدبلوماسية؟ يفهم الأسد السياسة بوصفها مؤامرة مستمرّة، هذا خلاصة ما ورثه من نظام الأسد الأب، الذي أمضى ثلاثة عقود في الحكم متآمرا على الأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية وتركيا والعراق. وفوق ذلك، كان يمارس دور المظلوم، ويشكو من تآمر هؤلاء ضده، والغريب أنه كان يجد من يصدّقه في ذلك!

تستخدم ماكينات الأسد وحلفائه الإعلامية في هذه الفترة ثيمة، كما عادتها في كل مرحلة، تقول إن دعوة الدول العربية إلى الحذر من إعادة تأهيل الأسد، هي دعوة تحريضية على الشعب السوري، ومن يمارسها هو طابور خامس ومثقّف جاسوس وأداة بيد الإمبريالية لقتل السوريين وزيادة معاناتهم، لكنها، في الحقيقة، تهدف إلى إسكات كل صوتٍ يشير إلى جرائم الأسد واستبداده، وابتزاز الآخرين واستثمار النكبة لجعل الأسد المعبر الوحيد للوصول إلى إغاثة السوريين، بحيث يجد العرب أنفسهم مجبرين على تأهيل الأسد إن أرادوا مساعدة الشعب السوري.

كل سورية تحتاج الى مساعدات، ولا فرق بين المناطق التي يسيطر عليها النظام وتلك الواقعة تحت سيطرة المعارضة، فالكل في الهمّ سواء، والجميع يحتاج مساعدات عاجلة، لكن المساعدات ستنتهي عاجلا أم آجلا، وسيعود السوريون إلى يومياتهم البائسة تحت حكم العصابة، لذا فإن السوريين، بالإضافة إلى المساعدات، يحتاجون ما هو أهم، التخلص من الجهة المولّدة لأزماتهم وكوارثهم. وبالتالي من الأفضل مساعدة السوريين في التخلص من الأسد، بدل تثبيته وتقويته.

مقالات ذات صلة