ميكانيكيون بلا حدود.. يوسف غيشان

الموقف الذي  (نحسد عليه) هو أنك عندما ترسل دابّتك المعدنية إلى الميكانيكي، وتراجعه خلال عملية التصليح أو بعده ، تجد بجانب الرجل علبة سمنة الغزالين مليانة بالبراغي والمرابط والرونديللات والترانزستورات والأسلاك ، ويقول لك الميكانيكي أنه أخرجها من جثة سيارتك… ولكن لم يعدها لأنه (ما إلها داعي).

بالتأكيد فإن الكثيرين منا تعرضوا لمثل  هذا الموقف، فهو ليس بعيدا عن شيمنا وأخلاقنا العربية الأصيلة (كما نقول عندما  تحصل حالة لا نرضاها)، بل هو في جوهر تفكيرنا، الذي يعتمد على التبسيط وتسهيل الأمور التي تحتاج الى تعقيد، لا بل هي معقدة أصلا، في ذات الوقت الذي نقوم فيه بتعقيد الأمور البسيطة جدا ونحولها الى (هليلة)…… نسيت أن أذكر لكم الموقف:
لاحظوا كيف أن مساعد الميكانيكي الذي هو في الغالب غير مؤهل علميا- مثل معلمه- ولا يكاد يكون انهى المرحلة الإعدادية ، ولم يدخل دورة ميكانيك بل تعلم البيطرة على جحشاتنا المعدنية ..تخيلوا أن هذا الرجل بكامل قيافته الذهنية يطلق النار على كافة علماء وخبراء الفرنجة، ويكتشف بأنه قادر على الغاء ما يريد مادام الميكانيكي (لا يعرف) لماذا وضع هذا البرعي أو هذه القطعة.
الان وبعد أن اشبعتكم ضحكا  ومسخرة من  الميكانيكي ، أقول لكم بكل صراحة ووضوح وأسف ، أن هذا الميكانيكي ، هو أنا وأنا وأنت سيدتي وأنتم وأنتن وهم وهن……. المكيانيكي هو نحن جميعا الذين  نرتمي بكل نعس على قارتين ….نحن العرب أجمعين..نحن الذي بذات الأصبع الذي نشير فيه للتوحيد ، نشير به للتفريق والفصل والإبعاد..والإعدام.
إذا أخدنا العلمانية مثلا ، فإننا ننسى جوهرها الديمقراطي العلمي  ومساواتها في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والجنس والنوع، ننسى كل ذلك، أونفكفكه ونرميه في علبة سمن الغزالين عملاقة ، ونتعامل مع اعدائنا أو من انقلبنا ضدهم بكل وحشية وديكتاتورية ونبرر ذلك بالعلمانية. ..وهذا ينطبق على كافة الأفكار والفلسفات التي نتعامل معها ..نأخذ القشور ونرمي الجوهر.
حتى الحكومات ، فإنها تلغي كل فترة كومة من البراغي والرونديلات من ماكنتها الإدارية ، دون أن تدري لماذا تم وضعها أصلا ، ولماذا تم الاستغناء عنها دون ان يتأثر اداء الجهاز الإداري ، هذا اذا لم يتحسن للإفضل.
وتيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي!!

مقالات ذات صلة