الفلسطيني حارب فلاموه وهادن فعاتبوه

ماهر أبو طير

حرير- من المؤلم جدا أن يتم تحويل الفلسطينيين إلى كتلة عمالة لدى إسرائيل، سواء داخل غزة، أو الضفة الغربية، أو القدس، أو حتى فلسطين المحتلة عام 1948، ضمن سياقات محددة.

هل يمكن هنا تجريم الفلسطينيين لكونهم يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي، ويعتمدون عليه، أم أن التجريم يجب أن يتنزل على من ترك الفلسطيني لمصيره هذا، وسط تجفيف المال الدولي والعربي والفلسطيني أيضا، عن الشعب الفلسطيني، بذرائع مختلفة، من بينها أن إسرائيل لا تسمح بإدخال مبالغ مالية كبيرة لإقامة مشاريع خاصة بالفلسطينيين، ومن بينها التواطؤ المتعمد لترك الفلسطينيين فرادى بحيث تحول عدد كبير منهم إلى شغيلة لدى إسرائيل، في مشهد مؤسف، لكنه لا يؤشر على حال الفلسطيني وحيدا، بل يؤشر على نتائج الخذلان، تحت تعبير يقول “اذهب أنت وربك فقاتلا”.. حيث لا قدرة لأمة المليارين الثرية على ما هو مفترض، لمساعدة هؤلاء ماليا طوال عقود، وبحيث تم وضع الفلسطيني أمام خيارات سيئة جدا.

هذه ليست تبرئة للفلسطيني، بقدر كونها تشخيصا لأزمة الحياة في فلسطين، حين تسيطر إسرائيل على كل موارد الشعب الفلسطيني، إلى درجة دفع الفلسطينيين الضرائب للخزينة الإسرائيلية على أي مستوردات، وتحكم إسرائيل بكل هذه الأموال لموازنات رام الله، مثلا، حتى على مستوى دفعات الرواتب، وحجمها، وتدفقها واستقرارها.

مناسبة هذا الكلام، ما يتردد أيضا بشكل مؤكد أن إسرائيل بعد الحرب، سوف تنتقم من الفلسطينيين أيضا، من ناحية اقتصادية، حيث ستقوم باستبدال العمالة الفلسطينية من غزة والضفة الغربية المقدرة بمئات الآلاف، بعمالة هندية، أو آسيوية، وهذا يعني بشكل واضح عقابا اقتصاديا مباشرا، للتسبب بأزمات مركبة، وللمفارقة نبدو هنا ظاهرا وكأننا نتباكى على فرص العمل مع إسرائيل، ونريد إدامتها واستمرارها، لكن القصد العميق يتجاوز هكذا استنتاج سطحي، لأننا نريد أن نقول إن الحرب سوف تتواصل ضد الشعب الفلسطيني بأنماط مختلفة، من بينها العقوبات الاقتصادية، التي ستؤدي في ظل عدم وجود بدائل فلسطينية، إلى كارثة مركبة.

إسرائيل ذاتها تتضرر اقتصاديا كل يوم، بسبب توقف البناء، وشركات المقاولات، والسياحة، وتضرر قطاع التكنولوجيا، وغير ذلك، لكن مرة ثانية من السطحية أن يحلل البعض المشهد الجاري الآن في غزة، باعتباره مثل الحروب السابقة، إذ إننا على الأغلب أمام حرب إسرائيلية إستراتيجية تريد إعادة تعريف الفلسطينيين، وإعادة معادلات التعامل معهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، بما يمكن اعتباره استغلال الظرف، لتعامل مختلف مع الكتلة الديموغرافية الفلسطينية، في سياقات دخول المشروع الإسرائيلي مرحلة مختلفة.

الذين كانوا يتبنون فكرة السلام الاقتصادي، لا تسمع لهم صوتا هذه الأيام، لأن إسرائيل حتى قبل الحرب الحالية في غزة، رفضت بكل الطرق، السماح بإنعاش وضع الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، بل تركتهم لشروط تصاريح العمل الإسرائيلية، ومنعت أي مشاريع فلسطينية أو عربية أو استثمارات كبرى داخل تلك المناطق لتشغيل الفلسطينيين داخليا، وتحكمت بأموال ومساعدات الفلسطينيين، فوق تورط السلطة بشكل إداري حكومي على طريقة الحكومات العربية حين حولت جزءا كبيرا من رعاياها إلى موظفين، وسهّلت لهم عبر القطاع المصرفي في الضفة الغربية، مثلا، الحصول على قروض وتسهيلات، بحيث بات أغلب الفلسطينيين أسارى للبنوك، وفوق الفوائد الربوية، يتم اقتطاع جزء من رواتبهم، لتربيطهم أكثر، وسحقهم داخل دوامات الحياة، في سياقات تتوهم إمكانية إعادة إنتاج الشخصية الفلسطينية.

يقال كل هذا الكلام لأولئك الذين يريدون إبقاء الضفة الغربية هادئة مثلا، حتى لا نعطي إسرائيل أي ذريعة للهجوم على الضفة، والحقيقة التي يجب أن تقال إن الدور الإسرائيلي المقبل سيكون في الضفة، في كل الأحوال، سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا وعسكريا، ومحاولات تربيط الضفة قد تؤجل المواجهة قليلا، لكن لن تلغيها، ونحن أمام سيناريو انتقامي بشع من الشعب الفلسطيني، يبدأ بقصف الطائرات، ويصل حد حروب الإذلال الاقتصادي بأنماط مختلفة.

تجريم الفلسطينيين وإدانتهم من بعض العرب ومن بعيد، لكونهم على صلة بالاقتصاد الإسرائيلي، تجريم يستحقه أولا، العربي الذي تثاقلت مؤخرته وجلس ليتفرج على الفلسطينيين، طالبا منهم كل شيء، فإذا حارب إسرائيل لاموه بكونه لا يفهم حسابات القوة، وإذا هادن عاتبوه لكونه لا يقدم دما لقضيته، وإذا تحير حيروه أكثر، لكونه لا يمتلك خريطة طريق لقضيته.

مقالات ذات صلة