رام الله “عاصمة السراب”….. هذه مرآتكم فأنظروا إليها

حقائق صادمة رام الله – وكالات –

قدم الصحافي “بانجمين بارت”، صورة مفصلة، ودقيقة، ومثيرة، وصادمة للأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، من خلال عمل ميداني، ومقابلات، وأرقام… تضمنها كتابه “حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني”.

“بارت” الذي عمل مراسلا لصحيفة “لوموند” الفرنسية في رام الله ما بين عامي 2002 و2011، يتحدث عن طبقات استحدثت، وخطط لسلام اقتصادي، لإطالة أمد الاحتلال، وتحسين صورته، وعن مناضلين ومثقفين تخلوا عن المبادئ.

من أجل أوهام عامة، ومكاسب خاصة. ويدرك بارت من خلال كتابه استحالة بناء اقتصاد في ظل احتلال، وكذلك سلطة، ومؤسسات، ولكن هذا قد لا يكون وجهة نظر دول وطبقات وفئات تستفيد من الوضع الجديد، ومن أموال المانحين السياسية التي تتدفق تحت عنوان عام، لدعم مسيرة السلام، وتسريع حل الدولتين، ولكن ما يحدث في الواقع، هو قضم المزيد من أراضي الفلسطينيين، وتقويض أي أمل في حل الدولتين، وهو ما يدركه المانحون، من خلال التقارير العلنية أو المسربة، ولكنهم يستمرون في لعبة لا تنتهي، في وضع فانتازي. يكتب بارت:

“هذا البلد المستحيل والمأساوي والعبثي الرائع الذي يشبه بأجوائه روايات فرانز كافكا، ولويس كارول، اسمه فلسطين، أو بالأحرى الضفة الغربية”،

ويضيف:

“رام الله أقل مجونا من تل أبيب وأقل بهرجة من بيروت، لكنها أكثر إثارة للدهشة من الاثنتين، وهي الآن الفقاعة الجديدة في الشرق الأدنى”.

“عاصمة السراب الفلسطيني” كما يسميها المؤلف، التي تتعرض لاقتحامات الاحتلال الليلية، ومحاصرة بالمستوطنات والحواجز، لا تكف عن محاولة الظهور بمظهر الحياة الطبيعية:

“منذ عام 2007، تفتتح حانة جديدة أو مطعم عصري كل ثلاثة أو أربعة أشهر”، ومن هذه المطاعم من يحاكي الأناقة الباريسية، أو السحر اللاتيني. إنها الزبد التي تحاول إخفاء ما يدور في المدينة، التي يوجد فيها عدة مخيمات للاجئين، التي يزيد فيها الفقراء فقرا، في حين تتكون فيها طبقات سريعة الثراء، بقرارات فوقية، ترى بوجود مثل هذه الطبقات ضرورة لسلام من نوع خاص، والمقصود في الواقع سلام الاحتلال، وجعله احتلالا مقبولا ورخيصا، بل مربحا، فكل تدفق لأموال مانحة، هناك طرق كثيرة، ليذهب جزء منها إلى خزانة آخر احتلال، الذي يحظى بالتدليل.

خرافة المجتمع المدني وينقل المؤلف عن دبلوماسي فرنسي قوله إن وكالات التنمية الدولية لا تتكلم سوى عن “تقوية المجتمع المدني، لكنها غالبا ما تفعل عكس ذلك؛ فهي تقوض قدرته على اتخاذ المبادرة وتحوّل المناضلين إلى مقاولين من الباطن، أي إلى زبائن”، يشدد هذا الدبلوماسي:

“المساعدة الدولية في الأراضي المحتلة هي آلة ضخمة لنزع الصفة السياسية عن حركة التحرير الوطنية الفلسطينية”.

لقد أصبحت رام الله دون أن تدري أو تعترف، مركزا ماليا وسياسيا، مكانا معزولا للشخصيات الفاعلة، وعاصمة لدولة مفقودة. ينقل المؤلف عن ناصر أبو رحمة قوله:

“منطقة رمادية، غير محتلة مباشرة، وليست حرة فعليا، وهي محاصرة ولكنها تعج بالحياة”.

أما يزيد عناني فيقول: “تتحول المساحة العامة إلى مساحة تجارية.

وتنتشر أشكال التنظيم المدني الليبرالي الجديد في كل مكان.

انبثق عن هذا التحول وهم التعايش بين كل من الحرية والازدهار والاحتلال.

إنه لـ(هبل) كامل. لن تكسب رام الله شيئا، إذا أرادت أن تقلد دبي أو عمان”.

خطبة ابنة مروان البرغوثي يظهر التناقض ما يرصده المؤلف بذكاء، في حفل خطبة ابنة القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي في فندق “موفنبيك”، الذي حضره كبار السياسيين، متسائلا إذا كان هؤلاء لاحظوا مستوطنة بساغوت اليهودية التي تطل على المكان من جبل الطويل:

“هل وصلت أصوات موسيقى الحفلة وأصوات أبواق السيارات المتنافرة إلى آذان سكانها؟ لديهم منظر لا يحجب على (موفنبيك) من نوافذ صالوناتهم.

بساغوت هي حارس وسور في الوقت نفسه، وإحدى حلقات النظام الذي يمسك بفلسطين بين فكي كماشة”.

دبلوماسي فرنسي يتردد على المقاطعة، مقر رئيس السلطة محمود عباس، كثير السفر خارج الوطن، يخبر المؤلف بأن عباس يشبه “قائمقاماً” أكثر منه رئيسا، وأن السلطة الحقيقية في الضفة الغربية هي إدارة الاحتلال في مستوطنة بيت إيل، على مسافة قريبة من المقاطعة.

فتح.. تتحكم في كل شيء ويرى المؤلف أن أي حديث عن تغيير، يصطدم بطبقة المديرين العامين الذين تم توظيفهم بفضل علاقاتهم داخل حركة فتح:

“حتى لو جلبنا إلى فلسطين الوزراء الـ25 الأكثر كفاءة في العالم، وحتى لو تم استيراد مائة مدير محترف، لن يكونوا قادرين على بناء مؤسسات.

رؤية الدولة لا توجد إلا على الورق… لا يمكن أن تتحقق”.

ينقل المؤلف عن خبير أجنبي:

“بناء الدولة في فلسطين تجربة وهمية أو افتراضية.

مهما كان الجهد الذي تبذله، يهدده الواقع بمناقضته في كل لحظة”.

وهذا نقد مباشر لمسعى رئيس وزراء رام الله السابق الدكتور سلام فياض، الذي قدم نفسه خلال السنوات الماضية بصفته صاحب مشروع “بناء الدولة”، بل حدد لإعلان مثل هذه الدعوة عدة تواريخ.

القانوني كميل منصور يقول بوضوح:

“كل هذا خدعة؛ فياض ليس مغفلا … ما يحاول فعله هو إبقاء النظام على قيد الحياة، وكسب الوقت حتى الانفجار المقبل”. وحقيقة مشروع فياض، كما يعتقد المؤلف:

“محاولة لتحديث البيروقراطية الفلسطينية، لم تنجز”.

مكتب رئيس السلطة يرى المؤلف أن ممولي فلسطين، انحازوا إلى فتح، مثلا من أصل 1.2 مليار دولار دفعت في عام 2006، مر  700  مليون منها بمكتب رئيس السلطة محمود عباس.

المساعدات الدولية أيضا، كما يقرر المؤلف، هي صفقات تجارية، أغلبها مربح جدا، يستفيد منها الكثيرون كالمتعهدين، ووكالات التنمية الخاصة، وشخصيات سياسية وأكاديمية ومؤسسات محلية.

ويستقدم المتعهدون، الخبراء الأجانب، لأسباب تتعلق بالربح، في حين أنهم لا يقدمون عملا حقيقيا يمكن أن يخدم المؤسسات الفلسطينية، أحد الذين عملوا في برنامج لدعم القضاء الفلسطيني يعطي مثلا:

“أذكر خبيرا أتى ليضع تقريرا عن أخلاق القضاة. كلف المانحين إقامته لمدة شهرين أكثر من مائة ألف يورو. لماذا؟ لتقرير من 17 صفحة لا فائدة منها .

مقالات ذات صلة