هوية تحت التأسيس… د. صبري الربيحات

الشعوب التي شاركت في مونديال 2018 اختبرت بوضوح مدى تعلقها بالهوية الوطنية التي عبرت عنها المنتخبات في المنافسات التي تابعها الملايين من جماهير الكرة في مختلف أرجاء العالم. أعلام الدول وألوان قمصان منتخباتها وأسماء اللاعبين والتاريخ الكروي للدول المشاركة والغائبة، شكلت المادة الأساسية لأحاديث المهتمين والمتابعين والمغردين في مشارق الأرض ومغاربها.

الهوية الوطنية لكل بلد مشارك ودرجة تعلق الشعب بهذه الهوية هما المتغير الأهم الذي أثار اهتمام المراقبين عامة وعلماء الاجتماع بشكل خاص. الطريقة التي يتفاعل فيها اللاعبون مع موسيقى النشيد الوطني وسرعة جريان اللاعبين ومستوى التنسيق والمهارات ودرجة المثابرة والتحوط مواضيع مهمة تابعها المشاهدون وعلقوا عليها.

أعداد المشجعين الذين لحقوا بالفريق ودرجة الحماس والاندفاع والدموع التي تنهمر على وجنات النساء والأطفال فرحا بتسجيل الأهداف أحيانا أو إضاعة اللاعبين لفرص التسجيل والخسارة أمام الفريق المنافس وخروجه من المسابقات أحيانا أخرى، القوة واللياقة العالية وكثرة حوادث العنف أو ندرتها، عوامل مهمة في التقييمات التي يجريها المتابعون للمباريات.

العلاقة بين الأمة وهويتها معقدة تكون في أقوى صورها عندما تكون المجتمعات ديمقراطية يشعر المواطنون بأن لهم حقوقا وكرامة مصانة وإرادة فاعلة في تحديد ما ينبغي أن تكون عليها الأحوال في بلادهم وتضعف هذه العلاقة في الحالات التي تهيمن فيها الأقليات الحاكمة على المجتمع وتحول دون أن يعبر الأفراد تعبيرا حرا عن إرادتهم.

في مثل هذه الأحوال، قد يطور الأفراد مشاعر معادية للهوية المفروضة عليهم ويشعرون بحالة من الاغتراب التي قد تظهر على هيئة سخرية أو قلة اكتراث لكل ما يحصل في محيطهم.

في العديد من البلدان العربية لا توجد علاقة عميقة بين المنتخبات والجماهير. فبالرغم من تشجيع الجماهير لفرق بلدانهم وارتداء القمصان والتلويح بالأعلام، إلا أن هناك جماعات عديدة تفتقر الى الإيمان بقدرة الفرق على تحقيق النتائج.

حالة عدم الثقة والشك بقدرة المنتخبات العربية على التنافس وتحقيق الفوز عائدة الى عوامل متعددة يرتبط بعضها بتكرار الهزائم وهيمنة السلطة ونقص منسوب الكرامة وتجاهل إرادة الشعوب. خلال المونديال الحالي وفي الحالات التي تمكنت فيها بعض الدول العربية التأهل للمشاركة في المونديال، كان الأداء باهتا والنتائج مخيبة للآمال، فقد خرجت الدول العربية الثلاث الممثلة لقارة افريقيا (مصر والمغرب وتونس) قبل الوصول الى دوري الستة عشر، في حين بقيت الدولتان الافريقيتان غير العربيتين (السنغال ونيجيريا) فترة أطول.

في بعض الحالات، يتجاهل المواطن العربي الواقع الراهن ويستمد الكثير من العزيمة من تاريخ بلاده وإنجازاتها التي قد لا تكون ماثلة أمامه اليوم. المصريون مثال واضح على التعلق الذي يبديه المواطنون بالهوية؛ فالأشقاء المصريون وأيا كانت أعمالهم أو دياناتهم أو ميولهم السياسية، يجمعون على حب مصر وقدسيتها وسموها والحفاظ على صورتها البهية فوق كل الاختلافات.

ما إن يذكر اسمها حتى تنتاب المصريين مشاعر الاعتزاز والفخر ويتوحدون حول النشيد واللحن والعلم. من خلال صلاتي مع العشرات منهم، أكتشف مرة تلو الأخرى اشتراك الجميع في مستويات من الحب والانتماء والولاء للعلم والهوية والتراب يصعب وصفها؛ فالشباب والنساء وحتى الأطفال الذين ولدوا على الأرض الأردنية يحملون لبلادهم الكثير من مشاعر الحب والإخلاص والانتماء غير المشروط الذي يولد لدى الكثيرين منا الدهشة والإعجاب.

 

خلال الأسبوع الماضي، وأثناء حضورنا إحدى الحفلات العائلية الى جانب عدد من الشخصيات والنجوم المصريين، غنى الفنان الأردني عمر العبداللات أغنية “للجيش المصري”، وما إن بدأ اللحن حتى قفز كل من هو مصري الى المسرح في حالة من النشوة الصادقة التي لا تشبه مشاركاتنا الخجولة في التفاعل مع ما يرمز الى هويتنا.

 

في كل مرة أصادف فيها مثل هذا الموقف يخطر ببالي أسئلة كثيرة لا أجد لها أجوبة مقنعة. أهم هذه الأسئلة وأكثرها إلحاحا يتعلق بمشروع الهوية… هل انتهى أم ما يزال مشروعا؟

مقالات ذات صلة