شيزوفرينيا مخجلة..! حسين الرواشدة

اشعر بالصدمة حين أتابع بعض السجالات التي تشهدها بلادنا، وأقول في نفسي: لماذا انحدر خطابنا السياسي الى هذا المستوى، ولماذا تحولت لغتنا السياسية والادبية (هل اقول الدينية ايضا ) الى مفردات موحشة خالية من اللطف واللباقة والأدب؟ استطيع أن اقدِّر بالطبع ما تستدعيه الخصومة من استثمار لأخطاء هذا الطرف أو ذاك، واستطيع أن افهم ما تستلزمه الصراعات السياسية بين النخب من توظيف لبعض المواقف، لكن ما الذي يدفع هؤلاء الى الابتذال في الخطاب، والى «الضرب» تحت الحزام، والى الامعان في تشويه الخصوم واغتيالهم سياسياً؟
المشكلة ليست فقط في الانحدار الذي أصاب نقاشاتنا العامة فقط، وانما المشكلة ايضاً في تراجع قيمنا وأخلاقياتنا العامة، لا يتعلق هذا بالنخب التي اختطفت قضايا الناس واستهبلتهم وتعاملت معهم بمنطق الاستعلاء، وانما بآخرين من طبقات المجتمع المختلفة انتقلت اليهم هذه «العدوى» لدرجة ان بعضهم أصبح مؤمناً بفكرة «الشطارة» بكل ما تحمله من انتهازية ونفعية وانفصام في الشخصية.
ليست صدفة – بالطبع- أن ينقلب بعض الناس على مواقفهم، أو ان يصاب المجتمع بحالة من «الانقسام»» حول قضية معينة، قد يبدو هذا مفهوماً في سياقات اجتماعية وسياسية مختلفة، لكن غير المفهوم ان تتحول القيم الاخلاقية الى موضوع للنقاش، أو الى وجهات نظر مشروعة، وان يتحول المجتمع الى «اسفنجة» قادرة على امتصاص كل شيء، او مجرد «معدة» جاهزة لهضم ما يصلها حتى لو كان من النوع غير القابل للذوبان. لا أدري اذا ما كانت هذه الحالة نتيجة «لجناية» النخب التي تعاملت مع المجتمع بمنطق الوصاية لا بمنطق الشراكة، ولكن من المؤسف أننا –ان شئت معظمنا- استمرأنا ممارسة هذه «اللعبة» وتنازلنا عن كثير من القيم التي كانت تمثل مصدراً لمناعتنا الاجتماعية.
هل يحتاج مجتمعنا الى «اصلاح» ؟ وهل نحن جاهزون لاستقبال ذبذبات للديمقراطية في ظل حالة من الشيزوفرينيا «ازدواجية الشخصية» انتقلت من النخب الى بعض اطراف المجتمع؟ وهل اصلاح النظام السياسي يكفي لاصلاح اخلاقيات المجتمع، ومن اين نبدأ: باصلاح الناس ام باصلاح السياسة؟ لا يراودني اي شك بان مجتمعنا متعطش للاصلاح، وبانه ما زال يتمتع بجزء كبير من «عافيته» لكنني اشعر احيانا بان ما يطفو على سطح مجتمعنا من صور «الفهلوة» والشطارة قد اخذ الصورة كلها، بحيث اصبحنا نحاكم انفسنا تبعا لما نراه في الظاهر لا لما يتغلغل في الداخل المسكوت عنه، وبوسعنا جميعا ان نتذكر او نستدعي عشرات النماذج التي تقدم لنا دليلاً على حالة «الازدواجية» التي نعيشها في كل المجالات،لكن لا بدّ ان نتذكر ايضاً بأن ما اصابنا ليس صدفة، وانما تراكمات لعقود طويلة من الفساد والتشويه و»اللعب» على الذمم والهويات والقيم… وعلى التعليم والاقتصاد والسياسة ايضا..

مقالات ذات صلة