لقاء صديقي السويدي

 

سائد كراجة

عاد صديقي السويدي «الأردني» في هذا العام، عاد وفي جعبته الكثير من الاخبار عن بلده الثاني السويد، وعلى الرغم من جميع اسباب العيش الرغيد التي ينعم بها الا انه يظل في حالة مقارنة دائمة مع ما عاشه او اختبره او عرفه هنا في الأردن، تخرج جميع اولاده من المدارس والجامعات – طبعا التعليم هناك مجاني منذ الحضانة وحتى اعلى تحصيل علمي يمكن ان يطلبه المواطن-، وتشمل مجانية التعليم المواصلات من والى المدرسة، اضافة الى ادوات الدراسة والكتب، والكمبيوترات والنت وكل ما يلزم.
وهنا أشار صديقي إلى ان مجانية التعليم هناك لها هدف استراتيجي وطني وهو ردم الهوة بين الطبقات، فتكافؤ الفرص في التعليم، يعني فرصة للمواطن ان يغير وضعه الاقتصادي والاجتماعي، وان الذي ولد فقيرا لا يشترط ان يموت كذلك، وان خيارات والديك في الحياة ليست قدرا محتوما عليك، ولهذا يرسي التعليم المتكافئ عدالة اجتماعية.
سألت زوجته هل تشعرين بأي تمييز لأنك محجبة؟ اجابت نعم، فانا اعمل في واحدة من اكبر الشركات هناك، وقد لمست حرصا شديدا على مساندتي في العمل ودفعي لخبرات جديدة، واشعر انهم يفتخرون بأني مثال حي على تقبل الآخر هناك، – وقد أشارت لمعلومة عابرة وهي ان قانون السويد يلزم الدولة بتعليم المهاجرين لغتهم الام «تكبير» – .
وافق صديقي زوجته واضاف: كل اصدقائي هناك يعرفون التزامنا كعائلة، طلبت مكانا للصلاة في الشركة، وعملت الادارة فورا على تأمينه، واضاف هنا، هذه بلاد حولت الدين لشيء شخصي جدا، وطالما تتبع القانون فإن لك ان تعبد من تشاء، وكيف تشاء، ولكن انا واصدقائي المسيحيين السويديين الملتزمين نعرف ان تديننا ليس امرا محتفى به على صعيد اجتماعي او سياسي، والدولة تقف على الحياد، وتضع كل القوانين اللازمة لضمان حياد الدولة وعدم تدينها!
هنا سألته عن القطاع الخاص وفعاليته الادارية، قال معلومة اذهلتني واعتقد انني سوف اطبقها فورا: ان موقع المدير التنفيذي في الهيكل التنظيمي يقع اسفل الهيكل وليس على رأسه، لأن المفهوم ان وظيفته ان يدعم جميع الموظفين للقيام بعملهم، وحدثني أيضا أن المدير في موقع افقي مع الجميع، ولكنه له الصلاحيات الاكبر!
باشرته بسؤال واضح، هل انت سعيد؟ قال لي الحمد لله انا اشعر بالأمان الوظيفي والعائلي، ولكن ينقصني شيء واحد: هذا المجتمع مجتمع يقوم على الفرد، كل شيء هناك مخصص لدعم الفرد، وقد تغير مفهوم الاسرة بالمعنى التقليدي، والدولة حلت محل الاسرة، ولهذا لا اعتماد للاولاد اقتصاديا على والديهم في شيء! وحريتهم الشخصية اهم من علاقات «التراحم الاسري»، ويضيف بعض الناس يكتشف موتها بعد ايام او اسابيع واحيانا في جو بارد جدا اشهرا!
قلت له السويد طبقت اشتراكية اوروبية فعالة، فأجاب: لا اقول عنها اشتراكية، صحيح ان الحزب الحاكم هو الديمقراطي الاجتماعي ولكن السويد بلد رأسمالي عنده موارد مهمة، يقع في شماله اكبر منجم حديد في العالم، وثروته الطبيعية من الخشب معروفة، وهناك شركات كثيرة مملوكة او لمشاركة الدولة، ولكنها بلد قطاع خاص فالضريبة في السويد تصل على الفرد احيانا 60 %، ومن يتهرب من الضريبة كمن يقوم بانقلاب على النظام في العالم الثالث! سر نجاحها في حكومات فعالة تقوم على الثقة بالمواطن وبسيادة القانون.
من المفيد القول ان الدستور الاردني نص صراحة، ان مهمة الدولة الاساسية، هي ضمان تكافؤ الفرص، ولو سألتني ما هو شكل النظام الاردني الاقتصادي، رأسمالي ام اشتراكي، لقلت لك انه حسب الدستور نظام يقوم على الحرية، سوق منظم بمبدأ تكافؤ الفرص وضمان تقديم خدمات رئيسية من الدولة مثل التعليم والعمل.
هناك قول مشهور ينسب للامام علي يقول فيه: (إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ). الاصلاح الاداري والتعليمي في الاردن ضرورة، ما فتئنا نخاف منه، ومن تبعات الاصلاح فيه، ولكن الحقيقة ان تبعات تأخر واهمال اصلاح هذين القطاعين، جاء وبالا علينا وما يزال، مبدأ تكافؤ الفرص الدستوري الاردني طريقا واضحا كمرجعية للاصلاح الاداري والتعليمي والسياسي، وهو مرتكز في الاصلاح الاداري والتعليمي، شكرا لصديقي السويدي، وعسى أن اكون وصلت الرسالة جنابك!

مقالات ذات صلة