في عيونهنّ”.. كاميرات ونساء تتحدّى الاحتلال!

حرير – امتشقَتْ سيجارةً وأخذَتْ “تمجّ” وتنفُث غير آبِهَةٍ بجنود الاحتلال المدجَّجين بأعتى الأسلحة وأحثّها وأشدّها فتكاً، وهم حولها، حول رأسها الذي يعتَمِر قبَّعَةً صفراء تحمل شعار “العاصفة”. كانت ناشطةً مسنّةً شاركت المزارعين مساعيهم في الوصول إلى أراضيهم المنكوبة بالاستيطان في منطقة “الراس” غرب سلفيت، وثَّقتها عدسة كاميرا ديانا عبد الله خويلد من طولكرم، والفائزة من بين ستّة متسابقين بمسابقة الفوتوغراف “في عيونهنّ” بموسمها الثالث، ونظّمتها وزارة الثقافة الفلسطينية ومركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت بدعم من “اليونسكو” عبر اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، وتمحورت هذا العام حول “المشاركة السياسية النساء” الفلسطينيات”.

وقالت خويلد لـ”منصة الاستقلال الثقافية”: كانت هذه الصورة في موسم قطاف الزيتون، وتوثِّق لهذه الناشطة المسِنَّة في أعقاب منْع الاحتلال لها ولكل من يرافقها من الوصول إلى أراضيهم بذريعة أنها منطقة عسكرية مغلقة. لم تنصَعْ لأوامر ضبّاط الاحتلال، وجلَسَتْ غير آبهةٍ بهم، وأخذت تشعل سيجارةً تلو الأخرى، فرأيتُ في لا مبالاتها شكلاً مغايراً من أشكال الصمود والتحدّي.. لم تَخْتَر الصراخ أو الهتاف أو العراك، اختارت إزاحة الجنود على كثرتهم من دوائر الإحساس لديها، وأعتقد أنه لم يكن بالأمر السهل.

أمّا شادي ياسر جرارعة من نابلس، ففاز عن صورةٍ له لسيدة تحمل علم فلسطين وحولها جنود كثر من جيش الاحتلال، خلال مشاركتها في واحدة من الفعاليات الاحتجاجية الدورية لقرية “بيت دجن”.

وقال جرارعة لـ”المنصة”: تمّ اختيار صورةٍ التقطتُها لسيدة وشابّ في واحدة من المسيرات المناهضة للاحتلال كملصق للمسابقة، ومن هنا تشجّعْتُ للمشاركة في المسابقة، وبالفعل فزتُ بصورة توثِّق مشاركة الناشطة هالة أبو غربية، وهي مشاركة دائمة في فعاليات قرية “بيت دجن” الأسبوعية، وبظنّي هي السيدة الوحيدة المواظِبَة على المشاركة باستمرار في هذه الفعاليات.. على أقل تقدير هذا ما رصَدتُه بعينيّ وعدسة كاميراتي لعام أو يزيد.

وكان لمصوِّرات ومصوّري قطاع غزة حصّة الأسد من جوائز “في عيونهنّ”، حيث حصدوا أربعاً من الجوائز الستّ توزّعت على كلٍّ من: نيللي إسماعيل ياسين المصري، وأشرف محمد ناصر أبو عمرة، وأسامة محمد عبد الرزاق البابا، وهاني حماد مرزوق الشاعر.

وبينما سلّط غالبية الفائزين صورهم على الواقع السياسي، وفي بعض الأحيان ذلك الممزوج بالاجتماعي، وبما يتقاطع ومحور المسابقة، ذهبت نيللي المصري إلى منطقة مغايرة تماماً، حيث انحازت إلى الرياضة  النسويّة في غزة، ففازت عن صورةٍ لفتاة تمارس رياضة التجديف في بحر غزة، كما شاركت بصورة أخرى لفتيات غزّيّات يلعَبْنَ كرة السلة.

والصورة الفائزة للمصري تُظْهِر أسيل بكر (16 عاماً) الحاصلة على المركز الأول في بطولة التجديف بغزة، وبطولة الترايثلون وألعاب القوى، وهي من المتميّزات في هذه الرياضة ومثّلت فلسطين فيها لأكثر من مرّة.

المصري قالت في حديث لـ”منصة الاستقلال الثقافية”: نشأتي في بيت

رياضي كانت وراء اقتحامي لمجال الإعلام الرياضي، فوالدي إسماعيل المصري لاعب منتخب فلسطين لكرة القدم في ستينيّات القرن الماضي. اقتحامي لهذا المجال كان بمثابة صدمة مجتمعية لكونهم لم يعتادوا على مصوّرة وإعلامية أنثى متخصِّصة في الشأن الرياضي، لكن مع الوقت بدأ الجمع يتقبّلني، خاصةً بعد أنْ أثْبَتُّ نفسي، كما كان لي دورٌ في توثيق الرياضة النسويّة الفلسطينية في أكثر من دراسة وبحث، بل قادني شغفي إلى إنجاز أفلام وثائقية رياضية، وبعضها حصل على جوائز في مهرجانات ومسابقات.

وكان من بين الفائزين أشرف أبو عمرة بصورته التي توثّق لسيدة فلسطينية تصرخ فوق ركام منزلها المُدمَّر جرّاء غارة إسرائيلية جويّة، خلال التصعيد العسكري الأخير، في أيار (مايو) 2021

وتحديداً في مدينة بيت حانون، شمال قطاع غزة.

أمّا أسامة البابا فوثّق لنساء فلسطينيات يشارِكْنَ في احتجاجٍ على تقليل السلّة الغذائية والخدمات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)  أمام مقرها في مدينة غزة، في آذار (مارس) الماضي.

في حين تَبْرُز في المرتبة السادسة بين الفائزين صورة لهاني الشاعر، وهي لسيّدة من عائلة أبو رجيلة، تحمل “طوريّة”، وتسير فيما تبقّى لها من أرض والدها وعائلتها، التي تقلّصت ممّا يزيد عن مئة دونم إلى أربع دونمات فقط، بعد أن ضمَّتْ المُصادَر منها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على دفعتين، الأولى في أعقاب نكبة العام 1948، والثانية في أعقاب نكسة حزيران عام  1967

ولم يقتصر معرض “في عيونهنّ” الذي احتضنته قاعة الجليل على الصور الستّ الفائزة، بل اشتمل على عشرات الصور متعدِّدة الجغرافيات الفلسطينية والموضوعات والحيوات، وتصبّ جميعها لجهة تسليط الضوء على المشاركة السياسية للنساء الفلسطينيات.

– يوسف الشايب… منصة الإستقلال الثقافية