من يلوم من؟حسين الرواشدة

 

يحتاج المواطن العربي الى مشهد ديمقراطي حقيقي، في «ملعبه» يتنافس حزبان، ولاعبون مهرة، يركض وراءهم «حكم» يطلق صفارته اذا ما ارتكب احدهم اي خطأ، ويشهر كرته الاصفر او الاحمر على الفور، ولا يجامل احدا على حساب الالتزام بأصول اللعبة.

يحتاج المواطن العربي الى «حدث» يُشغله ويسعده في آن، الى مناسبة يفرّغ من خلالها «انفاسه» المكبوتة، ويعبّر عن رأيه بصراحة، وينحاز لمن يشاء دون ان يسأله احد : لماذا انحزت لليمين او لليسار؟

يحتاج المواطن العربي الى موسم «فرح» يرفع فيه اعلام «البهجة»، ويهتف بأناشيد الفوز، ويرتاح من «تعب» السياسة، ويقرر الى جانب من يقف، ومع من يتعاطف ويشجّع، بلا رقيب، يحتاج الى «مونديال» – ولو مرة كل أربع سنوات – لكي يتحرر من الاحباط واليأس، ومن رداءة الطقس وغباره، ومن صراعات النخب واجنداتها المثقلة بالفزع والصخب.

من يلوم من؟ هل نلوم هؤلاء الشباب الذين امتلأت بهم مقاعد الملاهي والمقاهي ورفعوا «اعلام» الفرق المشاركة في «المونديال» على سياراتهم، واطلقوا العنان «لحماستهم» واعلنوا تسجيل اسمائهم في «سجلات» حزب الرياضة متوزعين على عشرات الفرق والاندية، واختاروا «ابطالهم» من نجوم الكرة واللعب ام نلوم انفسنا ومجتمعاتنا التي لم تترك فرصة لهؤلاء حتى يختاروا ما يشغلهم ويسعدهم افضل مما اختاروا، ولم تسمح لهم برؤية الديمقراطية كما هي في الملاعب ولم توفر لهم ما يضمن اطلاق طاقاتهم بحرية، ومناقشة قضاياهم بلا رقيب؟

خرج العرب عن المونديال ( خاسرين للاسف) لكن المونديال لم يغب عن بلادنا العربية، فاخباره احتلت «صدارة» احاديثنا وأولوياتنا، وصدى مبارياته الصغرى والكبرى ما زال يتردد في شوارعنا، ومريدو ابطاله يزدادون يوما بعد يوم، فنحن – للأسف – نتقن فنون استيراد «الابطال» وفنون استخدام «الرياضة» وتوظيفها، ولا يهم ان نشارك او لا نشارك،نربح او نخسر، المهم ان نطمئن الى ان شبابنا يمارسون حريتهم في التصفيق والهتاف، ومواطننا العربي يتمتع – بعد ان طلّق السياسة – بما يسجله «الآخرون» في الملاعب من اهداف، وبما ينجزونه في الارض والفضاء من ابداعات واختراعات..

من يلوم من؟ أنلوم هؤلاء الابناء الذين ورثوا انتظار الفرج من الرياضة بعد ان انسدت ابواب السياسة، وانتظار الامل بظهور «البطل» من خارج رحم الامة؟ ام نلوم مجتمعاتنا التي افرزت هذا الفراغ، وهذا الاندهاش، ومناخات واقعنا العربي البائس وفقرنا لأي انتصار؟

في بلادنا العربية ثمة الف «مونديال» يهرب المواطن منها جميعا لأنه ملّ من «مبارياتها» الهزيلة ومن حركة اللاعبين في ملاعبها القاحلة ومن تصرفات الجمهور على المدرجات.. وحده مونديال «الكرة» والاقدام الذهبية يحظى بالمتابعة والانتظار، ووحده ايضا يذكرنا (هل يذكرنا فعلا؟) بأننا ما زلنا نتمتع بنعمة «البصر» والمشاهدة، رغم انف المرحوم «ساراماجو» الذي اعتقد في لحظة – وعي – اننا نعيش في «مدينة العميان».

مقالات ذات صلة