هل تعيش اللغة العربية أزمة ؟… محمد انيس المحتسب

لعل السؤال الذي يطرح كل سنة مع احتفال العالم باللغة العربية هو
هل تعيش اللغة العربية أزمة ؟
الجواب نعم تعيش أزمة وتحديات عديدة رغم كونها اللغة الرسمية ولغة الدين والعبادة والتراث والحضارة والثقافة لقرون عديدة .
وهي في أزمة نتيجة التآكل التدريجي لوظائفها في المجتمع وفقدانها لمواقعها التاريخية والحضارية والثقافية والتواصلية تدريجيا لمصلحة اللهجات العامية ولمصلحة اللغات الأجنبية القادمة مع العولمة ومع التقنية الحديثة التي غزتنا مصحوبة بلغاتهاالأجنبية .
ومادام العرب يعيشون في حالة انكسار سياسي وعسكري واقتصادي فمن الطبيعي أن تعاني لغتهم أزمة خانقة وتراجعا وانحسارا على مختلف المستويات .
والمشكلة ليست في اللغة ذاتها فقد اعترف علماء اللغات الأجانب قبل العلماء العرب بعظمة هذه اللغة وتفوقها على اللغات الأخرى في كثير من النواحي ، يقول المستشرق رينان : ( العربية فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها ) ، ويقول رفائيل بتي الذي درس تسع لغات من بينها العربية ( ليس للعربية أن تقارن إلا بالموسيقى لما فيها من انسجام وتناغم بين حروفها لمن أحسن استخدامها والنطق بها )، وتقول المستشرقة زيغرد هونكة ( كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد ، فجيران العرب أنفسهم سقطوا صرعى أمام سحر تلك اللغة ، ولقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم يتكلمون العربية بشغف.)
لقد عزَّزت العربية بما تملكه من إمكانات فريدة الثقة فيمن ينطقونها إلى الحدّ الذي دفع أبا الريحان البيروني المتوفى سنة أربعمئة وأربعين للهجرة، أن يقول فيما نسب إليه: (لأَن أُهجى بالعربيةِ أحبُّ إليَّ من أن أُمدَح َبالفارسية)
وأعطيك مثالا واحدا يجلي رونق العربية
فدلالات اللفظ الواحد في العربية تتعدد بحسب السياقات المتضمنة له، وقد مَثَّلَ علماءُ العربية بعدة ألفاظ، منها لفظ: ضَرَبَ، فضرب زيدٌ عَمراً، أي: عاقبه، وضرب الله مثلاً، أي ذَكَرَ، وضرب له قُبة، أي أقام، وضرب العملة، أي صاغها، وضرب له موعداً، أي حدّد، وضرب في الأرض، أي: سعى، وهذه سمةٌ تندر في اللغات الأخرى، وقد اكتسبتْها اللغةُ العربية لما لها من العمر المديد الذي استطاعتْ به أن تُطوّر أدواتها، وتنسجم مع المتغيرات المكانية والزمانية ناهيك عن المدرج الصوتي الواسع الممتد من الشفتين حتى الحنجرة والذي لا يوجد شبيه له في جميع لغات العالم .
ودعني أختم بهذه الأبيات التي جاءت وكأنها صرخة لكل أذن صاغية وبصيرة مستنيرة يقول الشاعرعبد الرزاق الدرباس :
لا تهجرُوها فهي حِصْنُ ثباتِنا ==== وخَلاصُنا من خيبة ِالخُسْران
وخُلاصةُ القول ِالطويل ِعبارةٌ ==== سارتْ بمعناها خُطَا الرُّكبانِ
ما بَرَّ قومٌ أمَّهمْ ولسانَهمْ ===== إلا وحازُوا السَّبقَ في المَيدان
وإذا أهَانُوها فإنَّ مصيرَهم ْ ==== عَيْشُ الهَوان ِوذلَّةُ الخِذلان

مقالات ذات صلة