تقرير ديوان المحاسبة: الأهمية في معالجة الأخطاء مستقبلا

 

زيد نوايسة

في مثل هذا الوقت تقريباً من كل عام، يسلم رئيس ديوان المحاسبة تقريره السنوي عن أعمال الديوان الرقابية للسنة الماضية؛ بمقتضى المادة 119 من الدستور يتوجب تسليم نسخة لرئيس مجلس النواب ولرئيس مجلس الأعيان ولرئيس الوزراء؛ التقرير يشمل ما تم رصده من قبل فرق الديوان على مدار عام من مخالفات مالية أو شبهات فساد وتجاوزات إدارية وقعت ضمن الجهاز الحكومي والهيئات المستقلة والشركات التي تملك فيها الحكومة 51 %.
وكما يجري كل عام تتعهد السلطات التي تتسلم التقرير بدعم الدور الرقابي لديوان المحاسبة في الحفاط على المال العام ومكافحة كافة أشكال الفساد المالي والإداري ومتابعة ما ورد في التقرير بإحالته للجان المختصة في مجلس النواب، أما الحكومة فصارت متابعة ما في التقرير من أعمال ومهام وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء بالتنسيق مع الديوان والوزارات الأخرى.
المشكلة هنا؛ أن التقرير المقدم سينتظر سنوات لمناقشته في البرلمان لازدحام الأجندة فيما يتعلق بمشاريع القوانين التي تحال من الحكومة بما فيها مناقشة قانون الموازنة العامة التي تكتسب أولوية لأنها مرتبطة بالإنفاق العام، من المأمول أن يسهم إقرار التعديل الدستوري المقدم من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والذي يتضمن إلزام مجلس الأمة دستوريا بمناقشة المخالفات الواردة في تقرير الديوان خلال دورتين برلمانيتين من تاريخ تسلمه أي خلال عام من تاريخ تسلمه وهو أمر مهم لأن آخر تقرير تمت مناقشته هو تقرير عام 2017.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام والتي وردت في التقرير أن الديوان أحال مباشرة لهيئة النزاهة والشفافية 27 مخرجاً رقابياً للتحقيق فيها لوجود شبهة فساد وإحالة 11 مخرجاً رقابياً للقضاء مباشرة لثبوت التجاوز على المال العام؛ وهذا أمر جيد لأن ترك التعامل معها عبر البرلمان أو الحكومة يعني أن علينا أن ننتظر سنوات أخرى؛ المفترض أن تكون التعديلات التي أقرت قي أيار الماضي على قانون ديوان المحاسبة ساهمت في منحه مرونة في الحركة وسرعة في الإجراء.
حجم الوفر المباشر وغير المباشر حسب التقرير بلغ 42 مليون دينار نتيجة التدقيق على الضرائب واسترداد المبالغ المصروفة بغير وجه حق، ولكن يبدو هذا الرقم متواضعاً أمام ما أشار له رئيس ديوان المحاسبة في حديثه على قناة المملكة قبل أيام من وجود ذمم مالية للحكومة على شركات ومواطنين تصل إلى ستة مليارات ومائة وثمانين مليون دينار وفيها أحكام قطعية وغير محصلة للآن، بالإضافة للخسائر المتحققة من شركات تساهم فيها الحكومة.
ما يدعو فعلا للاستغراب أن يحدث هذا وبلدنا يعاني من مديونية تقترب من ثلاثين مليار دينار وعجز متوقع في موازنة 2022 يناهز مليارين وأربعمائة مليون دينار وبنفس الوقت تواجه حكومته مشكلة في تحصيل ديونها الداخلية التي تملك فيها أحكاما قضائية قطعية.
إذا كانت الحكومة حسب مشروع قانون الموازنة الذي أعلن عنه وزير المالية نجحت في تحقيق زيادة بالإيرادات العامة عن المتوقعة دون اللجوء لفرض ضرائب جديدة من خلال حملات مكافحة التهرب الضريبي، فلماذا لا تقوم بحملة لاسترداد ديونها ولو بالنسبة الكفيلة بتخفيض العجز المتوقع؟.
الجهد المبذول من ديوان المحاسبة كبير ومقدر ويستحق الثناء؛ لكن المهم أن نخرج من دائرة الإطار الاحتفالي والبروتوكولي لمعالجة الاختلالات والتجاوزات لدائرة التنفيذ والمعالجة، وضمان عدم التكرار في المستقبل بحيث نلمس تحسنا في السنوات القادمة ومعالجة الأخطاء قبل حدوثها.

مقالات ذات صلة