السوشيال ميديا.. بين الحقيقة والوهم!

عبد العالي أرجدال..مدون مغربي
السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الإجتماعي، ترسانة من المواقع والتطبيقات والمنصات ظهرت لتسهيل عمليات التواصل وتبادل الآراء والأفكار والاطلاع على ثقافات وتقاليد ومعتقدات مجتمعات متباعدة، مختصرة بذلك المكان والزمان بين الأفراد لتجعل العالم أصغر مما يبدوا. ولأنها مجانية ولا تضع أي شروط أو قيود لمستخدميها أضحت هذه المواقع ملاذا لجميع طبقات المجتمع ولم تعد مقتصرة على طبقة أو فئة معينة، كل يعبر كيفما يشاء وقت ما يشاء، مطلقة العنان لمرتاديها لينشروا أفكارا وصور وفيديوهات و…إلخ، تتراقص على أوتار اللايكات صانعة محتوا يجمع مزيجا من وجهات نظر المتباينة. لكن هل هويتنا الرقمية هي نفسها هويتنا الحقيقية؟

لا مكان تغمره المثالية والكمال أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا مكان للدناءة والقبح والبشاعة، يتمهل كل فرد في آنتقاء حالاته وعباراته إنتقاءا، يزيد من هنا وينقص من هناك، يتفنن في مدح نفسه وإظهار محاسنه، هنا الجميع يحظى بحياة رائعة، لافرق بين العاقل والجاهل، بين الصالح والطالح، بين العالم والجاهل، كل يجمع لايكاته ويبتهج لها، في رحلة السعي وراء الكمال وبعد كل خطوة يكسب قدرا إضافيا من التزييف، لتكشف لنا هذه المواقع جانبا مخفيا من النفاق والانفصام في شخصيات

إذا كانت مواقع التواصل قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات ومهدت الطريق نحو عالم سريع، إلا أنها تبقى سيفا دو حدين فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها رمزا للخداع والنفاق الاجتماعي
ولعل أبرز الدوافع وراء خلق هذه الهوة بين حياة الفرد الواقعية والافتراضية، نجد التقليد، فكثرة التزييف والتصنع الذي يراه المرء داخل هذه المواقع كفيل بإدخاله في صراعات نفسية حقيقية، يشعر خلالها بالدونية واحتقار الذات كيف لا وأصدقاءه الافتراضيون ينشرون صورا ومقالات تذل على مدى سعادتهم، وهو الوحيد الذي يشعر بغير ذلك متناسيا بأنها مشاعير إفتراضية ليس إلا وأن الصورة التي نشرت إلتقطت قبلها صور أخرى لم تكن في المستوى، لكن تلك بالضبط من يريد أن يظهرها للمشاهد وأن تلك التدوينة ربما لا تمثله فقط نسخها من مكان آخر ونسبها إلى نفسه. الشيء الذي يدفع الفرد إلى السير مع التيار وآكتساب قيم جديدة تجعله سعيدا على الأقل داخل عالمه الإفتراضي، يتصنع إبتسامة أو ينتقي صورة من الأرشيف ينشرها، أو يحدث حالته الإلكترونية ويكتب “أشعر بالسعادة” هكذا يحقق المثالية ويعلن سعادته.
وبالتوازي مع العالم الواقعي، فالعالم الافتراضي بدوره تنشأ فيه علاقات ذات طابع مختلف تماما كونها أسرع من ان يفهم مغزاها ومسارها، حيث تتشكل علاقاتنا غالبا إنطلاقا من قناعات خاطئة تكونها عقولنا، فكون هذه الأخيرة تميل إلى التصديق، وخصوصا تصديق الصورة، فطبيعي جدا أن نتأثر بصور أشخاص من داخل هذه المواقع. من ينتقي صوره بآحترافية ويحسن النشر يحظى بآهتمام أكبر وعلاقات أكثر، وتكون غالبا علاقات مبنية على مغالطات وأسس كاذبة، ينتهي بها المطاف إلى التشتت بنفس سرعة بناءها، هكذا يستمر الفرد في الدوران داخل حلقة مفرغة، لكن كون هذه المواقع توفر عالما أكثر تكاملا من العالم الحقيقي فيصعب الاستغناء عنها.
إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات ومهدت الطريق نحو عالم سريع، إلا أنها تبقى سيفا دو حدين فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها رمزا للخداع والنفاق الاجتماعي لم يعد ممكنا أن نميز بين الصادق والكاذب، لم نعد نعرف ما إذا كانت كل تلك المنشورات تمثل أصحابها أم أنها لا تمتهم بصلة. صحيح أن من السهل أن نتصنع وندعي لكن ما لم تكن كل تلك الأقوال والمنشورات تعكس الواقع، فتبقى مجرد أماني، وأول من سينخدع بها هو صاحبها نفسه. والسؤال الذي سيظل مطروحا، وملزما علينا أن نبحث له عن جواب شاف. كيف نحافظ على ذاتنا في ظل كل هذا المحتوى الزائف؟

مقالات ذات صلة