الإعلام التنموي بين الأمس واليوم … حاتم الكسواني

عندما خصتني الإذاعة الأردنية بلقاء للحديث عن الإعلام التنموي والعمالي بين الأمس واليوم بمناسبة عيد العمال فقد أثارت بنفسي شجونا ودفعتني لإعادة إستعراض المشهد الإعلامي خلال مسيرتي المهنية التي قضيت جلها في مجال إعداد وتقديم البرامج التنموية بما فيها برامج العمال ثم مخططا ومشرفا على تنفيذ الخطط البرامجية من خلال مواقعي الإدارية المختلفة في عديد من الإذاعات .

وإن كانت قناعتي لم تتغير بضرورة أن يكون الخطاب الإعلامي خطابا تنمويا لأن فيه الخير ، كل الخير للمجتمع  والأوطان  ، و لأن الإعلام التنموي ضرورة للمجتمعات النامية والناشئة كالمجتمعات العربية التي كلما قطعت شوطا في مجال التنمية يصيبها ما يصيبها من إستهداف لتدمير ما أنجزته .

عموما فإن الإعلام في الدول النامية يقع على عاتقه مسؤولية كبرى في المساهمة في عملية التنمية الوطنية وفي تثقيف الجماهير وزيادة وعيها من خلال إضطلاعه بتنفيذ مهام متعلقة بالتوجيه والتنشئة الإجتماعية نظرا لما لهما من فعالية في عمليتي التنمية وزيادة الوعي .

فالتنمية لا تعني مجرد الإنعاش الإقتصادي الذي هو بطبيعة الحال من أهدافها ، وإنما تستهدف التغيير التدريجي في العادات و في طريقة التفكير والإتجاهات والسلوك لدى الأفراد والجماعات بحيث تصير النفوس والعقول مهيئة لتقبل التغيير والتطور عن قناعة .

وتلعب وسائل الإعلام دورا حيويا في عملية التحضر والتحول الإجتماعي من مجتمعات  تقليدية إلى مجتمعات عصرية .

ولتوعية الجماهير لابد من الإهتمام بأمرين هما :

أولا ـ العناية بجميع أفراد المجتمع لرفع مستواهم الثقافي والإجتماعي .

ثانيا ـ مخاطبة كل جماعة من جماعات المجتمع بتزويدها بالقدر اللازم من المعرفة .

ومن المهم الإشارة إلى أن دور الإعلام  يبقى عاجزا عن النهوض بالمجتمع وقطاعاته المختلفة في ظل عوامل :

الجهل    والفقر     والمرض   التي تشكل ثلاثيا خطيرا يتربع في مختلف البلدان النامية .

كل هذه المقدمة بإشارات سريعة عن ملامح الإعلام التنموي ودوره ومعيقاته كانت لضرورة عقد مقارنة بين كينونته بالأمس واليوم :

الحقيقة الأولى :بالامس كان لدينا خطط تنموية  ( ثلاثية وخمسية وسباعية ) تعدها الدولة للنهوض في كافة القطاعات الوطنية وتطوير البنى التحتية وتؤمن لها موازناتها ويقوم الإعلام بإخبار المجتمع عنها وعن اهدافها ومراحل انجازها لضمان مؤازرة المجتمع ودعمه لها فيعلم المجتمع ويوضع المسؤول تحت الرقابة الدائمة ويقيم تبعا لتنفيذه للخطة ومشاريعها وتحقيقه لأهدافها .
اليوم المشاريع مرتبطة بإستقطاب مطور او مستثمر او ممول او مانح او مقرض ، وما يخطط للوطن في ذهن الحكومات المتغيرة بل بذهن وزير تخطيطها فالحكومة تعمل وفق أولويات وضرورات ومستجدات والإعلام  والمواطن لا يعلمان  فيبقى  المسؤول بعيدا عن الوقوع تحت رقابتهما .

الحقيقة الثانية : خطط التنمية كانت توفر مادة غنية لوسائل الإعلام تدعوها لوضع الخطط البرامجية المناسبة لمواكبة تنفيذ مشاريعها ومعدلات إنجازها كما تدعوها لإعداد الكوادر الإعلامية  المتخصصة  القادرة على فهم أهداف التنمية قطاعيا لتقوم بمعايشتها ومتابعتها فكنت تجد في وسائل إعلامنا  العربية مذيعين متخصصين في الإعلام العمالي أو الصحي أو في مجالات البلديات والتربية والتعليم والزراعة والعمل التعاوني وقطاعات المرأة والشباب والطفل فيجد كل قطاع حصته من الرسائل التي يوجهها الإعلام للقطاعات الإجتماعية المختلفة والهادفة إلى نشر الوعي والتثقيف والمعرفة بين أفرادها .

فكانت هيكلة وسائل الإعلام عامة والإذاعات على سبيل المثال حيث تشكلت خبرتي مبنية على أسس تنموية فتجد أن  الإذاعة مهيكلة على شكل مجموعة أقسام يختص كل منها بمخاطبة قطاع إجتماعي بعينه فتجد قسما للبرامج الإقتصادية والتنموية وقسما لبرامج الزراعة وقسما  لبرامج الصحة وآخر لبرامج التربية والتعليم  وآخر لبرامج الرياضه والشباب … وهكذا

أما الإذاعات اليوم فإنها تقدم برامج مفتوحة تتابع الأحداث اليومية و النشاطات التي تجود بها الحكومات ،  وتعتمد أسلوب المذيع الشامل أو الصحفي الشامل ، الأمر الذي دعا المتخصصين في العمل الإعلامي المرئي والمسموع إلى تحويل وسائلهم إلى وسائل خدمة عامة ، تبث برامج مفتوحة تعتمد على الحوار مع المواطن والتعرف على ردود أفعاله لأنها لاتملك ماتخبره به من مواد ذات علاقة بحياته المستقبلية ، وفق خطط تنموية أعدت سلفا  .

الحقيقة الثالثة : إعلام الأمس التنموي إعلام مستقبلي مخطط وإعلام اليوم إعلام آني قد يصل إلى مايمكن وصفه بالإعلام الإرتجالي .

الحقيقة الرابعة :  إعلام الأمس الإذاعي  كان إعلاما ميدانيا وطنيا بإمتياز ، يستهدف كل عمليات البناء الوطني في كل المحافظات والألوية والقرى والنجوع ، من خلال وصول كوادره إليها بجولاتهم وأجهزتهم المحمولة ، التي تسجل وترصد حجم الإنجاز ومستويات التطور الإنتاجي والفكري ، أما إعلام اليوم فهو إعلام يعتمد على مذيع  يقبع في الأستوديو ، ويحصل على  مادته من وكالات الأنباء ، وحوارات الإتصالات الهاتفية ، وأحيانا من مواقع التواصل الإجتماعي .

هذا غيض من فيض عن المقارنة بين  إعلام الأمس واليوم ، مع تأكيدنا بأن التطور التقني قد أضاف ميزة نوعية لإعلام اليوم لكنه أكسبه صفة العمل الفردي ، وأفقده ميزة العمل الجماعي .. عمل الفريق التي كان يتمتع بها إعلام الأمس ، ناهيك عن بروز عوامل معيقات فعالية وسائل الإعلام لإحداث التغيير المنشود لتحقيق التنمية ،  حيث إشتدت في بلادنا العربية عناصر

الجهل    والفقر     والمرض … والبطالة أيضا .

 

 

 

مقالات ذات صلة