زلزال المغرب والحاجة إلى التضامن العالمي

يقظان التقي

حرير- يتضامن العالم مع المغرب في مواجهة كارثة الزلزال ومركزه جبال الأطلس، وامتدّ تاثيره إلى مدينة مراكش التاريخية، ويعرض جيران المغرب الأوروبيون المساعدة في أعمال الإغاثة وإعادة الإعمار، إلى “اللفتة” الجزائرية الرمزية للغاية بعد عامين من القطيعة الدبلوماسية مع الرباط، وكذلك أعربت عدة دول عربية عن دعمها أشقائها المغاربة. فيما أرسلت دول مثل الهند والصين والاتحاد الأفريقي وإيطاليا والمملكة المتحدة وروسيا وأوكرانيا تعازيها في الضحايا وعرضت المساعدة، وكذلك الأميركيين.

يبحث العالم عن شريك إنساني في مواجهة المتغيرات المناخية والمخاطر البيئية التي تعصف بالجُرم الأرضي، الذي يعيش عليه الناس برسوبه ومائه وغاباته، وما دونه تحت الأرض ما يرى ولا يرى (وقع زلزال المغرب على عمق 18.5 كلم). جرم أرضي يبدو خاليا من حرّاسه، وآيلا للنفاد لشدّة ما يحصل من أعاصير مياه، ثمّ الحرائق، وثمّ الزلازل. يفقد نظامه وترتيبه حين يفقد ناسه والموجودات ونظامها وترتيبها.

ليس الزلزال الذي ضرب المغرب كبيرا مقارنة مع الزلازل التي تضرب أجزاء من العالم كالصين واليابان وإندونيسيا وتركيا وكاليفورنيا. مع ذلك يكشف خبراء الجيوفيزياء والمخاطر المناخية من الزلزال أن “قوّته ناهزت نحو 30 قنبلة ذرية كتلك التي ضربت مدينة هيروشيما”، (بالإشارة إلى الذين يحضرون الغضب/ الحرب على طاولة طعامهم). وهذا ما يفسّر عدد المباني التاريخية التي دمّرت في مدينة مراكش، رغم بعدها عن مركز الزالزال بنحو 40 ميلا. تُظهر صور كاميرات المراقبة التي رصدت لحظة وقوع الزلزال أن الزلازل لا تقتل الناس، بل هي طرائق البناء التي تفعل ذلك، وتتسبّب بالصدمة والهلع والخوف من الدمار الهيكلي الذي حولّ مدينة سياحية مغربيّة على هذه الدرجة من الفزع. وهو ليس أقل وطأة من الزلزل الذي ضرب جنوب ولاية كاليفورنيا بعد إعصار هيلاري، ويتفحّص أكثر من مائة مركز إطفاء متخصّص المكان ليقيّم الدمار والفيضانات.

تصيب الدهشة هذا الصيف الباحثين في علوم المناخ والمتابعين للكوارث الطبيعية وأحداث الطبيعة المتطرّفة التي تضرب في كل مكان كل سكان نصفي الكرة الأرضية، فيتزايد هذا التفاقم الأخير للتأثيرات الطبيعية والمناخية، وتبرُز التحذيرات من العالم السياسي الذي يعكس هذا القلق من الظاهرة ومن التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية التي يتعيّن تحقيقها للتخفيف منها. لم يعد هناك إنكار كامل لهذا الموضوع، إلى درجة صارت تمنيات نهايات العام بدرجاتٍ أقلّ من الحرارة أو البرد، ومن موجات الجفاف والتصحّر على نحو ما تشهده أوروبا أخيرا، ويستطلع الخبراء تنبؤاتهم حول التأثيرات المذهلة.

تقف الخبرة الدولية عاجزة أمام الشكوك المتزايدة من الظاهرة واحتمالات تفاقمها. قدّم هذا الصيف نموذجا صارخا على تلك التحدّيات. وبالكاد، انتهت عمليات الإجلاء الجوية في المناطق النائية من الشمال الكندي الذي ضربته حرائق غابات، وتمّ إجلاء 15% من السكان (نحو 168 ألف شخص).

ليست هذه قصة بسيطة عن حرائق تدمّر القدرة على اقتصاد الكربون، حيث كانت الغابات تحتجز 165 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، ويفوق إجمالي انبعاثاتها الصادرة من خلال وسائل النقل وتوليد الكهرباء والصناعات والبناء والزراعة الصادرعن مائة دولة مجتمعة (ما يصدر عن 195 دولة يصل إلى 5.1 مليارات طن من ثاني أوكسيد الكربون). فيما عاشت اليابان خطر تسونامي (خانون)، عقب ثوران بركان جزيرة تونغا. والحرائق والأعاصير والزلازل بحجمها في العام الحالي هي استمرارٌ لاتجاه خطير. لقد وصل العالم إلى نقطة التحوّل مع مناخ قديم، كان أسطورة من الشعور بالسعادة. شاهد العالم معاناة البحث عن الجثث والمفقودين في جزر هاواي، وتعثر شركات التأمين في تسديد كلفة إعادة الإعمار في الولاية التي التهمتها النيران، أو التي اجتاحتها مياه الأعاصير، ومعاناة الإيواء الفوري للمتضرّرين.

ليست الأرض هي المخادعة، بل الإنسان المفرط في الاستهلاك لها. لذلك تفقد الأرض ما في طبعها، وتحيل إلى حالة من اليأس، حين تفقد مدينة مثل مراكش تشكيلاتها وأبراجها، فيبحث الناس عن النجاة في الشوارع والمطارات والتسلّم من التهلكة، لذلك تتصرف الأمم المتحدة أكثر من غيرها معنيّة بالإنذار لمواجهة تغييرات حقيقية، ما عادت أعراضا لدورات طبيعية، بل هي، في الجوهر، انحراف بيئي خطير، يؤدّي إلى الاختلاف في التوقعات، وتدعو إلى التعامل مع حقائق موجودة، وتنبّه قادة الدول إلى عدم الإعراض عنها، وخذلان شعوبها، وهي تخشى من تكاثرها، ما يعني الهجرة والجوع والفقر والخوف والأحزان والحسرات.

قد تتطلّب إعادة الإعمار سنوات عديدة. وفي وقت يحتاج العالم فيه إلى تسريع الجهود، يقع في تناقض شامل، وسرعان ما سيدرك فقدان القواعد الأساسية في كيفية إدارة علم الاقتصاد، حين يساوي الادّخار الاستثمار، والحرب التي تجري هي على حيازة المدّخر من موارد الأرض والطبيعة، بدل إعادة الاستثمار الإضافي اللازم في الطاقة البديلة التي قد تتحوّل إلى مصدر توليد إضافي للأوكسيجين والموارد الأولية.

يقف العالم على تحديّات مجتمعات ما بعد النزاع، على نحو ما عرضت له أوراق قمّة العشرين تحت الرسالة الهندية، “أراض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”، لم تعد الأمور على جداول سرّية أو معلنة، تأكيد الجميع المسؤولية، وخطاب مبادرات سلام جديدة، وعصر من السيولة المالية للانطلاق في نظام بيئي عالمي جديد، وتمويل عجز الدول الضعيفة المتخلفة عن مسار التحوّل، ما يعرقل كل الجهود الدولية نتيجة التجزئة واللامساواة.

كانت قمّة مجموعة بريكس التي عقدت أخيرا في جوهانسبرغ بمثابة صاعق في هذا المسار المتمثل في التجزئة والتغريب في العلاقات الدولية. لن تذهب أموال الأعمال إلى تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، إلا إذا كانت مربحة عبر استثمارات كبرى فرعيّة. تتفاوت تقديرات التحوّل عند مستوى من 2% إلى 3% من الناتج الإجمالي العالمي، واستثمار بنحو خمسة آلآف مليار دولار بحلول العام 2030. يتعلق هذا الأمر بالطاقة، ويستبعد الزلازل والتنوّع البيولوجي، أو الإنفاق على بالوعات الكربون .. أمران متلازمان بالضرورة: التعلق بالحياة وبالسعادة لأمد طويل، والتفكير الممكن باحترام الأرض وعواملها الكامنة الفاعلة، فالقيم المادية للمجتمع الصناعي يجب أن تحلّ محلها قيم ما بعد مادية، وما بعد صناعيّة، والنظام الاقتصادي الحالي لا يدخل تدمير البيئة والمدن في حسابات أسعار السوق والشراكات الكبرى. .. وهكذا يستمر التوجّه الخاطئ في السياسات العامة على قاعدة التضحية بكل شيء. مع ذلك، أشارت مأساة مراكش إلى تيار جديد من الألفة والتضامن العالمي معها.

مقالات ذات صلة