الإتجار بالقضية الفلسطينية

كتب حاتم الكسواني

تحول كبير في شكل ومضمون الإتجار العربي الرسمي  بالقضية الفلسطينية ، فبعد أن كان شكل الإتجار بالقضية الفلسطينية معبرا عن حجم التأييد والمشاركة في حركة النضال ومقارعة العدو الصهيوني الذي تمثل في إطار المنافسة بين الأنظمة العربية في أن يكون لها موطأ قدم  في مجريات الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية على الساحات الفلسطينية والعربية بتأسيس كل نظام عربي لتنظيم فلسطيني مقاتل بقيادة احد الرموز النضالية الفلسطينية المجند احيانا من قبل جهاز مخابراتها  فكانت منظمات كمنظمة الصاعقة التابعة للنظام السوري  بقيادة زهير محسن ، أو منظمة فلسطين العربية التابعة للنظام المصري بقيادة احمد زعرور ، اوجبهة التحرير العربية التابعة للنظام البعثي في العراق بقيادة الفلسطيني زيد حيدر …وغيرها الذي تعرفون .

و في مرحلة لاحقة تحول الإتجار بالقضية الفلسطينية إلى شكل الإتجار  السياسي بالقضية لفلسطينية  بتسجيل المواقف  السياسة وإصدار بيانات التأييد والشجب والإستنكار ، وذلك بعد إخراج  تنظيمات المقاومة الفلسطينية من الساحات العربية كتنظيمات مقاتلة بفعل تباين أهدافها واستراتيجياتها مع أهداف الأنظمة العربية التي تخوفت من تنامي سلطة قوى المقاومة الفلسطينية بين أبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين فيها كمواطنين أو لاجئين ونازحين وتشكيلها احيانا لسلطة موازية للسلطة الحاكمة فيها ، وبفعل تآمر بعض القوى العربية  مع العدو الصهيوني  على أسس عنصرية وطائفية لإنهاء الوجود  الفلسطيني  في بلدانها ، أو بفعل إستشعار بعض الدول العربية بتعطل كافة أشكال النشاط الإقتصادي بسبب المناوشات العسكرية بين التنظيمات الفلسطينية وقوات الجيش الإسرائيلي  وعدم رغبتها بالصدام العسكري معه .

وفي هذه المرحلة إتخذ الإتجار السياسي العربي  بالقضية الفلسطينية شكل السعي لعقد المؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية وتفرد كل دولة بإختيار الأسلوب الذي يناسبها في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني لإستعادة أراضيها المحتلة وإنهاء صراعها مع الدولة العبرية على حساب القضية الفلسطينية ، كما اتسمت هذه المرحلة بتصاعد المزايدات والخلافات  السياسية بين قيادات  الدول التي بقيت على ثبات مواقفها من  تأييد لقضية الشعب الفلسطيني وتلك  التي كانت تدعى ذلك مع  دول التوجه لعقد إتفاقيات سلام تنهي الصراع العربي الإسرائيلي الذي تحول إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد تفكيك دول العراق ، وليبيا ، واليمن ، وسوريا و إضعاف لبنان والسعودية ومصر و  تونس والآن السودان باشعال الحروب الداخلية بين مكونات مجتمعاتها و إضعاف إقتصاداتها بخلق الأزمات و فرض العقوبات الإقتصادية عليها التي أدت مجتمعة إلى تدمير امكاناتها الإنتاجية في قطاعات الصناعة والزراعة والصحةوالتعليم وارجعتها إلى عصور غابرة من التخلف وانعدام الوعي .

ولم يقتصر الإتجار بالقضية الفلسطينية على الأنظمة العربية بل انخرطت فيه القوى الدولية التي عملت لصالح تحقيق أهداف  عدونا الصهيوني ، فدفعت الدول العربية للتسابق نحو التطبيع  بالسر والعلن مع دولة الكيان الصهيوني وإنهاء القضية الفلسطينية .

بالأمس البعيد يوافق المغرب الذي لم يعادي الكيان الصهيوني يوما  على التطبيع العلني معه  مقابل إعتراف الكيان بحق المغرب بأرض الصحراء الغربية المتنازع عليها مع الجزائر ، وبالأمس القريب كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية  الإجتماع الذي استضافته إيطاليا بين وزير الخارجية الإسرائيلي  إيلي كوهين ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش الأسبوع الماضي .

سقوط ما بعده سقوط …إرتماء عربي  بالجملة في حضن الكيان الصهيوني  تحت وطأة شهوة السلطة الموعودة  لضعاف النفوس الذين سهلت لهم الحركة الصهيوامريكية  العالمية المشاركة في الصراع  الذي لن ينتهي عليها .

المواطن العربي يعارض كل صور التطبيع ولكنه مكبل بعدم التأثير في عملية الحراك السياسي في بلاده  ، مع اننا نراهن على شعوب الامة وعلى انها  ستكون صاحبة الكلمة الأخيرة   .

وحده الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة الذي فهم اللعبة وادرك بأن لا أمل يرجى من كل الدول العربية التي ما انفكت يوما من الإتجار بقضيته ..اللهم إلا الإستفادة من بعض التسهيلات التخفيفية  التي تمنحها له  تحت شعارات الدعم الأخوي ، وراح يتحالف مع أي طرف يدعم نضاله ومقاومته التي  اتخذت شكلي المقاومة المسلحة المنظمة  والفردية وآمن بالإعتماد على الذات لتحرير وطنه  إيمانا بمقولاته الشعبية

“لا يحرث الأرض إلا عجولها ” و ” لا يحك جلدك إلا ظفرك ”

وبعد فإن الدعم الحقيقي لنضال الشعب الفلسطيني في ظل التردي الرسمي العربي يجب أن يذهب إلى الجهات  الفلسطينية والعربية الموثوقة في دعمها للقضية الفلسطينية .. الجهات ذات الفعل المؤثر على الساحة الفلسطينية كحركة  ” مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها  BDS ” ودعم نشاطات ” حركة المبادرة الوطنية التي يقودها الدكتور مصطفى البرغوثي ” والمؤسسات التي تؤازر صمود المواطنين الفلسطينيين في مناطقهم ومنازلهم كنقابة المهندسين الأردنيين و دعم نشاطات كل المؤسسات التي تقدم الدعم الطبي والخيري والتعليمي والتدريبي والإقتصادي داخل كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة .

مقالات ذات صلة