نتنياهو في حال اتفاق مع السعودية

رندة حيدر

حرير- إذا صحّت التقارير عن عدم ممانعة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعد اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في نيويورك، مطلب السعودية تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فإن هذا يعكس تحولاً مهماً في موقف نتنياهو الرافض لهذه المسألة رفضاَ قاطعاً، وتطوراً في المواقف الإسرائيلية التقليدية. ولكن هل معنى ذلك أن نتنياهو مستعدٌّ أيضا للموافقة على تقديم “إنجازات” جوهرية للفلسطينيين، تطالب بها كل من السعودية وإدارة بايدن؟

من استمع إلى خطاب نتنياهو أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في نيويورك لا يستطيع إلا أن يلاحظ تجاهله الموضوع الفلسطيني، باستثناء كليشيهات معروفة بشأن ضرورة توقف السلطة الفلسطينية عن نشر “الكراهية لإسرائيل والعداء للسامية”، ووقف دفع الرواتب لأهالي الأسرى الفلسطينيين، وهذا كلام لا يبشّر بأي تحول فعلي في موقف نتنياهو التقليدي من الموضوع الفلسطيني، بعكس الكلام عن السعودية. ومع ذلك، لا بد أن نتنياهو أدرك، في الأيام القليلة الماضية، أن “الاتفاق التاريخي”، أو كما يسميه بايدن “الصفقة الكبرى” مع السعودية، لا يمكن أن تمضي من دون تحريك الملفّ الفلسطيني وفتح ثغرة في الأفق المسدود منذ سنوات، وتحديداً منذ وصول نتنياهو إلى السلطة في 2009 الذي وصلت إليه المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. فهل نتنياهو في صيغته الحالية قادرٌ على فعل ذلك؟

من يتابع التعليقات والتحليلات الإسرائيلية للتطورات في هذا الشأن يستنتج أن نتنياهو يقف في مواجهة اتخاذ قرار حاسم من شأنه إحداث تغيرات مهمة، ستكون لها تداعيات كبيرة على الوضع الداخلي الإسرائيلي، وخصوصاً على استقرار ائتلافه الحكومي اليميني المتشدّد.

أي قرار سيتخذه في الموضوع الفلسطيني يخرج عن نهجه المعهود سيضع زعامته السياسية أيضاَ على المحكّ، إذا قرر المضي في خيار الاتفاق على التطبيع مع السعودية، وسيعرّض للخطر كل ما بناه خلال حكوماته السابقة للخطر. وأي خطوة سياسية يتّخذها إزاء الفلسطينيين، حتى لو كانت في الحد الأدنى، مثل تجميد البناء في المستوطنات ستكون لها ارتدادات سلبية وعميقة قد تهدّد بانهيار ائتلافه الحكومي.

عمل نتنياهو، منذ سنوات، على القضاء قضاء مبرماً على حل الدولتين، وعلى أي تسوية سياسية مستمدة منه، سواء بتشجيعه البناء في المستوطنات، وإضعاف حكم السلطة الفلسطينية وتقويضه، وتعميق الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة بشتى الوسائل والطرق. وكان شعاره الدائم المحافظة على الوضع القائم من خلال “إدارة الصراع”، ومن خلال تطبيق ما سمّاه “السلام الاقتصادي”، أي استخدام تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في الضفة أداة لاحتواء عدم وجود تسوية سياسية. ولقد تصاعدت سياسة نتنياهو الرافضة لأي مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، بعد تحالفه مع أحزاب اليمين القومي المسياني في انتخابات الكنيست في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وتشكيله، بعد فوزه فيها، حكومة “يمين بالكامل”.

ومنذ وصولهم إلى الحكومة، بذل وزراء اليمين القومي قصارى جهدهم من أجل تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، سواء من خلال تسريع عمليات البناء في المستوطنات وفرض قيود كبيرة على إصدار تصاريح بناء للفلسطينيين في الضفة الغربية، كما شهدت الأشهر الماضية تصاعداً كبيراً في عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية والاعتداء على منازلهم وممتلكاته. ولقد عمل وزراء، مثل زعيم حزب الصهيونية الدينية ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، كما يتبوأ منصب وزير أيضاً في وزارة الدفاع، وهو مسؤول عن الإدارة المدنية في المناطق المحتلة بدأب على تحقيق رؤيته للضم التدريجي للمناطق الفلسطينية إلى إسرائيل، والسعي إلى التخلص من حكم السلطة الفلسطينية، حتى لو كان الثمن زوال الخط الأخضر، والذهاب نحو الدولة الواحدة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن.

ويبدو أن هذا الائتلاف اليميني المتشدّد الذي حصّن به نتنياهو نفسه في وجه خصومه في الداخل أمام تحدٍّ مهم، قد يهدد استمراريته، ليس بسبب موافقة نتنياهو على حصول السعودية على برنامج نووي مدني، ولا بسبب السلاح المتقدّم الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة، ولكن بسبب الثمن الذي ستضطر إسرائيل إلى دفعه إلى الفلسطينيين. وفي هذه الأثناء، يبرز الانقسام الإسرائيلي واضحاً بين من يرى في أن ثمن الاتفاق مع السعودية يفوق بكثير الأرباح التي يمكن أن تجنيها إسرائيل منه، وينطوي على “تنازلات” خطرة للفلسطينيين، وستكون له تداعيات خطرة على أمن إسرائيل؛ ومن يرى في الاتفاق فرصة نادرة للتفكير من جديد في تسوية النزاع مع الفلسطينيين، وسيفتح أمام إسرائيل أبواب العالمين العربي والإسلامي، فالتطبيع مع دولة عربية مثل السعودية، إنجاز تاريخي، كونها الدولة الأقوى اقتصادياً وقائدة العالم العربي في الوقت الراهن، مع تراجع الدور المصري والعراقي والسوري. هذا من دون الحديث عن الفائدة التي يمكن أن تجنيها إسرائيل على صعيد تعزيز علاقاتها مع إدارة الرئيس بايدن. لكن من يعرف نتنياهو جيداً يدرك أن هذا “الثعلب” السياسي سيحاول جهده الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي يمكن أن تترك بصماتها على إرثه السياسي، وتحدد مسيرته بالكامل، وسيلجأ إلى أساليبه المعهودة في المناورة والتضليل وفي التحايل على الوقائع، للالتفاف على معارضيه من اليمين القومي، وفي الآن ذاته، إقناع محاوره الأميركي بأنه مستعدّ للبحث في تقديم “بادرات” إلى الفلسطينيين، تكون أقل بكثير مما يطالب به السعوديون والأميركيون، وبالتأكيد الفلسطينيون.

كعادته، سيحاول نتنياهو الإمساك بالعصا من طرفيها واستغلال الحديث عن التطبيع مع السعودية لتعزيز مكانته السياسية داخل إسرائيل وخارجها، من دون أن يتعهّد بالتزامات حقيقية مع الفلسطينيين، ومن دون أن يطرح رؤية مختلفة، يمكن أن تخرج العملية التفاوضية مع الفلسطينيين من النفق المسدود. قد يسأل سائل: لماذا ربط الاتفاق مع السعودية بالموضوع الفلسطيني، ربما المصالح وحدها هي التي ستحدّده؟ هذا ما يروّجه نتنياهو وأوساطه، ومع ذلك يقف نتنياهو على مفترق طريق، فهل يُقدم على خطوة فعلية وجريئة تفتح الطريق أمام المفاوضات مع الفلسطينيين، أم سيواصل سياسة المماطلة والتسويف والتهرّب في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما ستتمخض عنه من تغييرات، حتى لو كان الثمن تضييع “فرصة تاريخية”، كما يقول، لتحقيق السلام مع أهم دولة عربية؟

مقالات ذات صلة