
الانتقائية في الدعوة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة… 1701 نموذجاً
عبد الحميد صيام
حرير- تذكّر الصهاينة وأعوانهم هذه الأيام القرار 1701 الذي اعتمد في 11 أغسطس عام 2006 بعد حرب دامت 33 يوما، خرج منها العدو المنتهك لسيادة لبنان مكسورا مدحورا، وأراد أن يحقق بالسياسة ما لم يحققه في الميدان، أي بطرد قوات حزب الله من الجنوب إلى شمال نهر الليطاني، بل وزادوا رعونة بربط ذلك بالقرار 1559 الذي سبقه بنحو عامين، حيث اعتمد بتاريخ 2 سبتمبر 2004 وكان المقصود منه أساسا إخراج القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح حزب الله. وأوكلت المهمة إلى المبعوث الأممي العنصري، تيري روود لارسن. وقد رفضت سوريا استقباله ولم يحقق شيئا إلا التحريض على حزب الله.
الولايات المتحدة وشريكها الصغير بريطانيا ومعهما فرنسا، كلها تطالب بتطبيق القرار 1701 تطبيقا صارما، يرى بعين واحدة ما هو المطلوب من قوات حزب الله، ولا يرى ما هو المطلوب من الكيان الصهيوني.
الولايات المتحدة صعدت موقفها، وتصر على أن القرار 1701 غير كاف، وتريد إما قرارا جديدا، أو اتفاقيات ثنائية، أو ثلاثية ليس فقط لنزع سلاح حزب الله وتمكين الجيش اللبناني من السيطرة على الجنوب ومنع دخول الأسلحة إلى لبنان، بل بحل حزب الله تماما وتفكيكه وليس إبعاده إلى شمال الليطاني. وقد تساوق مجلس الأمن مع هذا الطلب إلى حد ما وأصدر بيانا صحافيا غير ملزم تلته رئيسة المجلس السفيرة السويسرية يوم الإثنين 14 أكتوبر، ينص على أن أعضاء مجلس الأمن الدولي «يدعون إلى التنفيذ الكامل لقرار 1701 (1996)، ويقرّون بضرورة اتخاذ إجراءات إضافية لتحقيق ذلك الهدف. كما يؤكدون على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية التي تؤدي إلى نهاية مستدامة للصراع، وتتيح للمدنيين من جانبي الخط الأزرق للعودة إلى ديارهم آمنين». فالمطلوب، حسب هذا النص ليس فقط تنفيذ القرار 1701، بل اتخاذ إجراءات إضافية لتنفيذ مطالب الكيان الصهيوني التي تبناها الوفد الأمريكي، بتحقيق نهاية للصراع بشكل دائم يضمن نوما هانئا للمستوطنين، دون أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، التي نص عليها القرار، أي أن الانتقائية ليست في اختيار القرار فحسب، بل في اختيار بعض بنوده دون غيرها.
هل التزمت إسرائيل بقرار 1701؟
الحقيقة التي لا يتحدث عنها أحد هي، انتهاكات إسرائيل للقرار نفسه فهي لم تتوقف عن انتهاك الخط الأزرق يوما عبر الهجمات المباشرة، أو عبر انتهاك الأجواء اللبنانية، التي تصل إلى معدل 200 انتهاك سنوياً، حسب المراسلات الرسمية بين الوفد اللبناني والأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن. القرار ينص في بنده الخامس على أهمية احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله السياسي ضمن الحدود المعترف بها دوليا، والتي أقرت في اتفاقيات الهدنة بين لبنان وإسرائيل والموقعة في 23 مارس 1949. فهل احترم الكيان الفاشي سيادة لبنان، وهو الذي احتل شريطا حدوديا وأنشا ميليشيات تخدمه لمدة 22 سنة؟
لماذا هذه الدول المنافقة لم تكن متحمسة للقرارين 425 و426 لعام 1978 اللذين طالبا إسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان فورا ودون قيد أو شرط؟ إسرائيل لم تعط القرارين أي اهتمام، بسبب الدعم الأمروأوروبي، ولكن أنشأت منطقة عازلة وجيشا عميلا، وحاولت تثبيت أقدامها في جزء من أرض الجنوب، إلى أن تمت هزيمتها في مايو 2000 بطريقة مذلة، وهرب جيشها في جنح الظلام، تاركا سلاحه ومعداته في الشريط، وتخلى عن عملائه وحتى الأسرى في معتقل الخيام. الفقرة العاملة الثامنة عشرة من القرار تنص على ما يلي: «أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، على أساس جميع قراراته ذات الصلة، بما في ذلك قراراته 242 (1967) المؤرخ 22 في نوفمبر 1967، و338 (1973) المؤرخ 22 أكتوبر 1973، و1515 (2003) المؤرخ 19 نوفمبر 2003».
فلماذا لم يتحقق السلام العادل والشامل؟ وهل لو أن مجلس الأمن أعطى أهمية لقراراته ودفع باتجاه تنفيذ القرارات 242 و338 و1515 التي تتكامل في الدعوة إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وحل مشكلة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية التي خصص لها القرار 1515، فهل كان هناك أصلا مبرر لوجود قوات حزب الله ونشر قوات اليونيفيل وحرب 2006. إن تطبيق القرارين 242 و338 هو انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وقرية الغجر اللبنانية، ثم إقامة دولة فلسطينية مستقلة حسب القرار 1515 ثم الاعترافات المتبادلة وإنهاء حالة الصراع. فمن إذن في حالة انتهاك للقرارات الدولية؟
إن الطريقة الانتقائية التي تتعامل معها الدول الغربية، التي أنشأت الكيان الصهيوني إهانة لبقية الدول التي ليس لها مصلحة في استمرار العربدة الإسرائيلية. نريد مندوبا عربيا واحدا يلقي كلمة في مجلس الأمن للدول الناعقة بضرورة تطبيق قرار 1701، ويتحدث عن القرارات ككتلة واحدة موحدة، لا يجوز التفاضل فيها، بل التكامل ويقول للولايات المتحدة وللناعقين معها: تعالوا نطبق القرار بكليته ودون انتقائية. لتنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة جميعها وأولها الضفة الغربية والقدس وغزة ثم الجولان والأراضي اللبنانية، ونحن نضمن لكم ليس فقط انسحاب حزب الله من الجنوب، بل انتفاء ضرورة وجود حزب الله أصلا. وحتى حركات المقاومة الفلسطينية، عندما ترى دولتها الديمقراطية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وترى اللاجئين يعودون لديارهم ودولتهم فقد ينتفي مبرر وجودها. فقد تقيم تلك الدولة علاقات مع جميع الدول وقد تنتهج نهجا سلميا في حل كل القضايا العالقة الأخرى. يجب أن يتم تحدي أعضاء المجلس لتطبيق القرار بكل فقراته وليس ما يلائم الكيان الفاشي العنصري الذي أنشئ على الاغتصاب والقتل والتطهير العرقي وارتكاب المجازر والاستيطان.
القانون الدولي والانتقائية في احترامه
الولايات المتحدة والدول التي تسير في ركابها لا تعرف من القرارات إلا تلك التي تخدم مصالحها. فعندما تنتهك كوريا الشمالية قواعد «عدم الانتشار النووي» تسرع إلى مجلس الأمن وتعتمد قرارات تحمل سلة عقوبات جديدة وصل عددها إلى تسعة قرارات، وتطالب الدول بالالتزام بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. ولا تنطق سفيرة الولايات المتحدة بكلمة عن كوريا الشمالية، إلا بترداد قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي وسلة العقوبات. والولايات المتحدة لا يضيرها أن تدير ظهرها لقرارات رفع العقوبات عن كوبا، التي يصوت لصالحها سنويا 190 دولة ولا يقف إلى جانبها إلا الكيان الصهيوني. ولكنها تتفاخر بالقرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتعتبرها ملزمة لأنها اعتمدت تحت آلية «متحدون من أجل السلام». أما إذا اعتمدت الجمعية العامة الآلية نفسها وأقرت وقف إطلاق النار في غزة مرتين في أكتوبر وديسمبر عام 2023 فهي غير ملزمة ولا يعتد بها. حتى قرارات مجلس الأمن التي لا تتوافق مع هوى الولايات المتحدة تقف السفيرة ليندا توماس غرينفيلد أمام الصحافيين وتقول عن القرار 2728 الذي طالب في 27 مارس 2024 بوقف إطلاق النار في غزة، بأنه غير ملزم. وهي قالت ذلك عن جهل أو خبث وكلاهما غير مقبول ولا مبرر. لكن القرارات التي تتعلق بإيران فهي ملزمة خاصة القرار 2231 لعام 2015 الذي أقر خطة العمل الشاملة المشتركة حول برنامج إيران النووي والتفتيش المتواصل على منشآتها النووية.
لقد أثبتت أحداث ما بعد 7 أكتوبر 2023 أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة لا تعنيها المبادئ، ولا القانون الدولي، ولا حقوق الإنسان، ولا تهمة ازدواجية المعايير ولا الانتقائية، بل مصلحة إسرائيل لأنها القاعدة المتقدمة للدول الاستعمارية، القديم منها والحديث، فهم الذين أنشأوها وهم رعاتها، ومصالحها هي مصالحهم وحرب الإبادة في فلسطين ولبنان هي حرب الولايات المتحدة وحلفاؤها دون رتوش أو مواربة.