الكوكب الذي يغلي

 

إسماعيل الشريف

}ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعونَ{ «الروم: 41».
منذ سنوات وأنا أشبّه نفسي بالضفدع الذي يجلس في وعاء مياه فاترة، ثم أُشعلَ تحت الوعاء، وبدأت تزداد حرارة المياه تدريجيًّا، والضفدع يتأقلم مع الحرارة الزائدة، إلى أن وصلت إلى درجة الغليان فمات الضفدع. وهذا أنا، أتأقلم مع التغير المناخي منذ سنوات، فأولًا كنت أفتح النافذة في ليالي الصيف، ثم ابتعت مروحة، وعندما زادت الحرارة ابتعت مكيفًا أشغله كل ليلة، وما أشعر به من ارتفاع درجات الحرارة، أعرف أنني سأصل إلى اليوم الذي سأسلق فيه!.
في الأسابيع القليلة الماضية كانت درجات الحرارة في عَمّان أعلى منها في الرياض! وغرقت عُمان، وشهدت السعودية أمطارًا صيفية، وكانت واشنطن «أشوب» من دير علا، واجتاحت فيضانات بلجيكا وألمانيا مخلفة وراءها مئات القتلى، وأمطار لم تشهدها الصين منذ ألف عام، واحترقت غابات كاليفورنيا، وسجلت أعلى درجة حرارة في تاريخ كندا، ولبنان يحترق.
وخلال الخمسين سنة المقبلة، يتوقع العلماء نزوح أكثر من مليار ونصف هربًا من درجات الحرارة المرتفعة التي ستؤدي إلى الجفاف، فحرارة الكوكب قد ارتفعت ثلاث درجات؛ مما يُنبئ بانقراض الكثير من أشكال الحياة.
إنه التغير المناخي الذي يضرب في العالم بصورة غير مسبوقة، وبشكل واضح لا لبس فيه.
العلماء مصدومون من سرعة هذا التغير المناخي، فالتغيرات التي تحدث سريعة كان متوقع حدوثها بعد بضعة عقود، ولكن فيما يبدو علينا أن نتعود على هذه التغيرات، والتي ستصبح الحالة الجوية الطبيعية للأرض.
يقول عالم المناخ «دانيال سوين»: ما يحدث ليس حدثًا محليًّا غريبًا، إنما هو نمط عالمي جديد، فكل الكوارث حدثت في نفس الوقت، وقبل سنوات قرأت عن نظرية عالم ناسا «جيمس هنس»، الذي قسم مراحل التغير المناخي من (سي 1) إلى (سي 8)، وعندها يصبح الكوكب غير قابل للحياة، وقال بأننا في نهاية مرحلة (سي 1)، وعندما نصل إلى (سي 2) ستكون التغيرات المناخية كبيرة، برأيي أننا دخلنا في مرحلة (سي 2)، والأمور تتسارع بشكل كبير.
الثلوج تذوب في القطب الشمالي، والثلوج تعكس الحرارة، والتربة الجليدية تحبس الحرارة، والغابات تموت، والتغيرات في تيارات البحار التي أصبحت أكثر حموضة لم تحدث منذ ملايين السنين، وهنالك أدلة من أنها تتباطأ.
فهل وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ولم يعد بالإمكان وقف هذا التدهور؟ كانت أمامنا فرصة لوقف ذوبان الثلوج، وتقليل انبعاثات الكربون، والمحافظة على الغابات، ولكننا أهدرنا كل ذلك، وتنافسنا في الفضاء، وخضنا الحروب، وألقينا القنابل، ونسينا الأرض، وها نحن ندفع الثمن غاليًا.
أبناء جيلي يذكرون أن الفصول والأيام والليالي والعواصف والمطر والرياح كانت مختلفة، أشفق على أبنائنا وأحفادنا الذين سيعيشون في صيف أكثر سخونة وشتاءٍ أكثر دفئًا، وفيضانات وعواصف، لن يستطيعوا الهرب منها.
أنا قلق، وقلقٌ للغاية؛ فالعالم يغلي، ولا حلول، نحن نقطف ما زرعناه.

مقالات ذات صلة