الملك يقدم خطابًا أردنيًا جريئًا متوازنًا

 

ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 

قد لا يلزم العارفين بالسياسة المزيد من التفكير والتحليل، لتمييز قوة وصلابة وثبات وبعد نظر المواقف السياسية التي تتخذها دولة أو زعيم ما، بينما ينهمك آخرون بمزيد من التحليق ليخرجوا بقائمة من التوقعات والاحتمالات، حول مآلات نفس المواقف السياسية التي قال عنها العارفون بمجرد سماعهم عنها.

كل يوم بل مع كل حدث وموقف يحدث حولنا، نكتشف بعد النظر السياسي الذي يتمتع به صاحب القرار الأردني، ونذكر هنا مثالا توضيحيا، يتعلق بما يسمى بالربيع العربي، حيث رأينا موقف الأردن من هذا الحدث العابر للحدود العربية، ومنذ اليوم الأول لتعامل الأردن الرسمي مع هذا الاستحقاق الجماهيري العربي، فهمنا أن الموضوع لا يمكن حسمه بموقف أو قرار حاسم، بمعنى أن يلمس الناس آثاره في اليوم التالي، وإجراء تغييرات على حجم المطالب العاطفية التي تحرك الجماهير، التي لديها كل الحق بالمطالبة بكل تغيير تراه مناسبا لها وإيجابيا، لكن التوازن في التفكير والإلمام الواسع بالسياسة والفهم المتميز للوضع الأردني، كلها ظهرت من خلال تعامل الدولة مع الربيع العربي، ورأينا ما رأينا من نتائج، حمت الناس والوطن والدولة من زلازل الارتجال والقرارات السريعة غير المدروسة، أو تلك التي جاءت إذعانا لمطالبات الجماهير المدفوعة بالعواطف الجامحة، وشهدنا تعثر أنظمة عربية كثيرة في الدول العربية الشقيقة، ويمكننا إحصاء خساراتها، التي جاءت بسبب قراراتها المتسرعة والتي لا تتمتع ببعد نظر ولا تنم عن فهم عميق لحاجات بلدانها الحقيقية المناسبة، وآخر الأخبار المؤسفة ما نراه اليوم يحدث في تونس الشقيقة.. ولا نقول إلا حمى الله تونس.

المتابع لزيارة جلالة الملك الى أمريكا، والتي ترشح بعض أخبارها من خلال وسائل الإعلام العالمية، يلحظ ما أتحدث عنه من التوازن في التفكير وبعد النظر والفكر السياسي العميق، وقبل هذا وبعده «الالتزام الأخلاقي الجريء»، الذي لا يهادن ولا يخفي حقائق، أو يتاجر بمواقف، حيث كانت هناك تصريحات اعلامية لجلالة الملك حول الملف الإيراني، الذي يشغل العالم، ويؤثر بعمق في منطقتنا، وعبر عن موقف الأردن الثابت من الانحياز للقضايا والمصالح العربية، دون مناورة، ولا حتى انحياز لأمريكا.

ونفس الخطاب الراشد الصادق، قدمه جلالته في حديثه عن سوريا، وذكر الجميع بموقفه السابق من الأزمة السورية ومن استمرار الرئيس بشار الأسد في الحكم، حين خالف جميع الذين تنبأوا بانتهاء حكم الأسد لسوريا، كما حدث مع زعماء عرب آخرين، بعد اندلاع أحداث عنف أو حروب أهلية فيها، وأعاد جلالته التأكيد على الحلول السياسية، كخيار أوحد للخروج من هذه التحديات والأزمات.

لهذه الأسباب يحظى جلالة الملك بالاحترام لدى الجميع في الدول الديمقراطية العريقة، فمواقفه ثابتة، ويمتاز بفكر سياسي عميق، ينحاز فيه إلى الأخلاقيات العالمية والعربية الملتزمة بالحقوق، وغير الخاضعة للمزايدات والمراهنات السياسية، حيث يتجلى بعد النظر في المواقف التي اتخذها الأردن، ودفع ثمن بعضها لا سيما في السنوات الأخيرة، وهذه السمات التي إن توافرت في خطاب لزعيم سياسي عربي أو من العالم النامي، تحظى باهتمام الاعلام العالمي الحر، وتظهر فيه وكأنها عصفا ذهنيا بالنسبة للمتابعين وللمنظرين حول قضايا العالم العربي.

التوازن والثبات والقيم الأخلاقية السياسية الرفيعة وبعد النظر، والتحدث بعدالة عن قضايا الشعوب، والالتزام بتحصيل حقوق الشعوب المظلومة، والاصطبار على الكيد والتآمر دون تبديل وتعديل المواقف، وعدم المتاجرة فيها، كلها ثوابت من النادر أن نجدها جميعها في خطاب سياسي لدى زعماء، تعيش بلدانهم في أتون صراعات وأجندات دولية كبيرة، لكنها كلها موجودة في خطاب وأداء وأخلاقيات جلالة الملك عبدالله الثاني، ويحق لنا أن نقول بأن السياسة تحتاج إلى الحكمة وبعد النظر فوق المصداقية.

مقالات ذات صلة