حالة انكار

كتب حاتم الكسواني

ليس أسوأ  من الإنسان الذي يعيش حالة إنكار  للقرارات والأحداث والحقائق التي يرفضها والتي يتمنى عدم  حدوثها .

ويبدو أن  معظم افراد مجتمعنا يعيشون حالة الإنكار هذه لدرجة انه يمكننا أن ندرجها تحت عنوان “السلوك المرضي” فمثلا يمكننا ملاحظة كثير من السائقين في شوارعنا مازالوا يستخدمون هواتفهم أثناء القيادة ، ويعاكسون السير ، و يقطعون الإشارات الضوئية وهي حمراء .

وهذا يشكل حالة إنكار لصدور قانون السير ، فالأصل في سلوكنا السوي أن نحترم القانون وإن كنا نتمنى عدم صدوره ونرى عدم العدالة فيما جاء به  .

شغب الملاعب حالة إنكار لقيمنا الرفيعة ومشاعر الأخوة النبيلة التي شكلت ركائز قوة مجتمعنا عبر الزمان .

إطلاق الأعيرة النارية وقتل الآخرين من أبناء مجتمعنا حالة إنكار للحقيقة العلمية التي تؤكد بأن الاعيرة النارية ترتد  بنفس قوة إنطلاقها من أقصى مسافة تصلها في عنان السماء ولابد أن تستقر خلال عودتها في جسم ما ، وهي عادة تشكل حالة إنكار لقناعاتنا بعدم قتل النفس البشرية دون وجه حق .

وحالة إنكار أخرى متفشية في مجتمعنا وتتمثل بإنكار كثير منا لتفوق الآخرين علينا ، وتميزهم عنا،  الذي نرده للواسطة والمحسوبية وصلة القربى و لكل الأسباب إلا سبب انهم اكفأ وأفضل منا ،ونبدأ  بمهاجمتهم وتقريعهم ومحاربتهم بشكل ممنهج في محاولة لإسقاطهم وإثبات سلامة ظننا بهم .

اما أخطر وأسوأ حالات الإنكار فهي حالة الإنكار الوطني عندما نتملص من دورنا في خدمة الوطن  والحفاظ عليه وعلى مقدراته  وممتلكاته والدفاع عن قضاياه وثوابته واولوياته ، ولا نبذل من أجله أرواحنا واموالنا و كل غال ونفيس مما نملك. و لا نمتنع عن ان نسلك أي سلوك سلبي يؤذيه وينال من سمعته وقيمته بين الأمم .

جلد الذات الوطنية حالة إنكار لقدرة الوطن  على التطور والتقدم  والمنافسة في كل القطاعات … فنحن ننكر أن  قطاعاتنا الصناعية و الصحية والتعليمية والعلمية و الزراعية  والتجارية و الخدمية قادرة على المنافسة والتفوق ، ولا نعمل على دعمها ومؤازرتها

إعادة رواية أعدائنا حول تخلفنا وضعف نفوسنا حالة إنكار لوجود كثير من الشرفاء والمناضلين الذين يعشقون اوطانهم أكثر من حبهم لأنفسهم .

التطبيع مع عدونا الصهيوني  على حساب قضيتنا المركزية”  قضية فلسطين ” حالة إنكار لحقنا الأبلج وثوابت الأجداد ومشاعرهم النبيلة إتجاهها  ، وانكار لقدرتنا على المقاومة وتحقيق النصر السياسي والعسكري إذا أقتضت الضرورة …  فالتطبيع مع عدونا الصهيوني بحجة أن الفلسطينيين اول من طبع معهم حالة إنكار لواجباتنا في ترجمة قناعاتنا  ، لأن واجب كل منا أن يقوم بواجبه بمثالية وان لا يقيس على الآخر ، وإن كان فريق من الفلسطينيين قد إختار طريق التطبيع ، فهناك فرق أخرى رفضت التطبيع وقاومته وفي النهاية ” كل إناء ينضح بما فيه ” .

أن حالة الإنكار التي تصيبنا  لا يمكن لها أن تشكل حالة إيجابية تدفعنا إلى الأمام ،بل انها مكون من مكونات قوى الشد العكسي التي تبقينا في حالة التخلف والتراجع إلى الخلف .

 

مقالات ذات صلة