هل من أمل في العودة أو التعويض … الفرد عصفور

بمناسبة الحديث المتدفق وأحيانا بدون أي إيضاحات عن مسألة عودة اللاجئين أو تعويضهم أو توطينهم فإن دراسة جادة معمقة للأمر تظهر أنه لن يكون هناك أي عودة وكذلك لن يكون هناك أي تعويض.  وهذا ليس مجرد تشاؤم في غير موضعه ولكن الأسباب لذلك عديدة.

أهم تلك الأسباب عدم جدية المفاوضين العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص.

فهؤلاء دوما يتركون مسألة اللاجئين لكي يتم حلها ضمن إطار أوسع وأشمل بحيث أن أحدا لا يريد تحمل مسؤولية أي قرار بهذا الشأن.

فأي متابعة جادة للمفاوضات العربية الإسرائيلية منذ عام النكبة ستظهر أن أي عودة إن حصلت ستكون جزئية وبأعداد محدودة جدا وفقط إلى الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية أو غزة.

وقد وافق المفاوضون الفلسطينيون على ذلك في المحادثات ووقعوا عليها وأعلنوها للناس في ما سمي وثيقة جنيف وكذلك ما سميت بمبادرة صوت الشعب.

حتى العودة إلى الضفة الغربية هناك ما يمنعها موضوعيا ولوجستيا.

فالضفة الغربية بالكاد تتحمل سكانها الموجودين فيها بعد قضم معظمها في الاستيطان. اما الأسباب الموضوعية فإن أهل الضفة الغربية الأصليين على ما يبدو لا يريدون أن يشاركهم أحد في أرضهم بعد أن قضم الاحتلال أكثر من نصفها.

فهم حتى الآن يتعاملون بحذر شديد وريبة مع سكان المخيمات مع أن هؤلاء الفلسطينيين اللاجئين يسكنون الضفة الغربية منذ أكثر من سبعين سنة.

النقطة الثالثة في أسباب استحالة العودة والتعويض تكمن في أن قرارات الأمم المتحدة في حال تطبيقها تجعل التعويض لأصحاب الأملاك فقط. هكذا كانت تفسيرات القرارات الدولية بحسب لجنة التوفيق التي شكلتها الأمم المتحدة لمتابعة قضية اللاجئين.

فهؤلاء بحسب الإحصاءات التي التزمت بها الأمم المتحدة نقلا عن سجلات الإنتداب البريطاني لا يزيدون عن أربعين في المئة من السكان الفلسطينيين الذين كانوا في فلسطين عام ثمانية وأربعين.

وتوزيع التعويضات لو تم في أفضل الأحوال سيكون لأصحاب الاملاك الذين صودرت املاكهم ويمكنهم اثبات ملكيتهم لها.

لكن التعويض بحسب تفسيرات القرارات الدولية لن يشمل العقارات التي دمرت نتيجة الأعمال الحربية.

وقد قامت سلطات الدولة الإسرائيلية بتدمير الكثير منها خلال الهدنتين لتبدو وكأنها هدمت أثناء الحرب وقبل توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار في رودس.

وهذا الأمر يقلص كثيرا أعداد من يمكن أن يستفيد من التعويض ، إلى جانب أن تفسيرات لجنة التوفيق الدولية التي تابعت القضية ظلت محتارة في كيفية حساب التعويض: هل سيكون بأسعار عام ثمانية وأربعين؟ أم أسعار عام أربعة وخمسين؟ أم أسعار عام خمسة وأربعين العام الذي جرى فيه ما عرف بالإحصاء القروي.

كم كانت بالضبط قيم الممتلكات التي تركت في العام 1948؟ هذه هي واحدة من المشكلات المركزية المرتبطة بقضية ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين.

وما العمل إزاء أولئك اللاجئين الذين كانوا مزارعين مستأجرين ولا يملكون بأنفسهم أي أراضي؟ فحوالي ثلث اللاجئين فقط كانوا يملكون أراضي في ما أصبح يعرف بإسرائيل.

..فهل يجب تعويضهم؟ إذا كان الأمر كذلك، فبماذا يعوضون وعن ماذا؟

ومن هم الذين سيتسلمون التعويض؟ فأصحاب الأملاك الأصليون قد لا يكونون على قيد الحياة. .. فالذين سيعوضون هم الورثة الشرعيون…. والآن صار ورثة أولئك اللاجئين كثيري العدد ولذلك فكل فرد سيكون نصيبه مجرد فتات حتى في حال اعتماد أعلى الأسعار وفي حال اعتماد مبدأ التعويض أصلا.

أما تعويض الدول المضيفة فقد عالجته لجنة التوفيق بأن تلك الدول ستنال تعويضات على ما قامت به في استضافة اللاجئين طوال تلك المدة لكن المبالغ لن تكون كبيرة فقد يحسم منها كل التبرعات والدفعات التي كانت تدفعها تلك الدول على مدى سنوات التهجير.

(على الدول المضيفة أن لا تبني أحلاما في الهواء). وأدراج الأمم المتحدة ولجانها مليئة بخطط التعويض للدول المضيفة لكنها كلها مشروطة بالتوطين.

وهذا في الواقع هو السر وراء تأخر حل مشكلة اللاجئين.

أما تعويضات اللاجئين من غير ملاك العقارات فلا أحد يتحدث عنها مع أن لجنة أميركية اقترحت في الخمسينات وفق خطط التعويض، بشكل مثير للسخرية فعلا، أن من حق كل اللاجئين الذين لم يختاروا العودة الحصول على مئة دولار نقدا سواء ملكوا عقارات في فلسطين أو لم يمتلكوا كتعويض نفسي عن معاناة اللجوء.

وفي أحسن الأحوال لو اتفق المتفاوضون على هذه الامور سيكون لدى إسرائيل مطالبات مضادة بشأن أملاك اليهود العرب الذين تركوا البلدان العربية.

وهذه الأملاك تقدرها إسرائيل بحد أقصى يصل إلى ثلاثمئة مليار دولار.

وهذه بمثابة العقدة التي ستجعل من المستحيل حل قضية التعويضات.

كما أن إسرائيل وإن وافقت مبدئيا على فكرة المساهمة في التعويض فإنها ترفض منح اللاجئين أي حق قانوني في ممتلكاتهم وتشترط في التعويض أن يكون مصحوبا بالقبول النهائي من اللاجئين بالعيش في المنفى.

لكن الموقف الإسرائيلي الجدي من الموضوع لخصه المفاوض الإسرائيلي والتر إيتمان في رسالة إلى لجنة التوفيق الدولية عندما قال: “إذا راهن أي لاجىء عربي على أنه سيعود للعيش في البيت الذي تركه… أو أن يحرث الحقول التي عرفها يوما في قريته فإنه يعيش في الوهم”.

في الواقع لا أحد يتحدث الآن بجدية عن عودة اللاجئين وتعويضهم عن أملاكهم التي صادرتها إسرائيل.

وكل حديث في هذا الشأن يدرك صاحبه في قرارة نفسه أنه للإستهلاك المحلي وشراء الشعبية الرخيصة.

وإن لم يكن كذلك فهو مجرد أحلام يقظة لتمنية النفس بتعويضات مالية.

فالكل يدرك أن العودة الفعلية لن تكون خيارا إسرائيليا وكذلك التعويض.

العودة يصنعها بالقوة من يؤمن بحق العودة جديا وليس أولئك الذين يعتبرون الأمر وسيلة لإطالة أمد المفاوضات وتخدير اللاجئين أصحاب الحق المشروع.

مقالات ذات صلة