لو عاد ترامب

سامر خير أحمد

حرير- لو فاز دونالد ترامب مجدّداً بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، المقرّرة أواخر العام المقبل 2024، رغم التهم الجنائية الموجّهة له، ثم فاز مجدداً بمنصب رئيس الولايات المتحدة في مواجهة الرئيس جو بايدن، فإن تغييراتٍ كبيرةً على السياسة الدولية قد تنتظر العالم في السنوات المقبلة، أهمها ما ينعكس على الصراع الأميركي الصيني الذي اشتدّ منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021. وكذلك، بالنسبة إلينا نحن العرب، ما يتعلّق بشكل الشرق الأوسط وصراعاته وتحالفاته التي بدا أنها كانت تمضي في طريقٍ مختلفٍ خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017 – 2020) عما صارت إليه في عهد بايدن.

مناسبة هذا الافتراض الجدل الذي أثاره رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، أخيراً، بعد تصريحه أن ترامب يبدو في حالة أقوى من التي كان عليها في انتخابات 2016، قاصداً الإشارة إلى استطلاع للرأي أجرته منظمة بحثية أميركية، أظهر أن ترامب يتقدّم على بايدن بثلاث نقاط مئوية، ما يعني أن فكرة عودته إلى البيت الأبيض مطروحة بقوّة على أرض الواقع.

بالنسبة إلى الصراع مع الصين، أول ما يمكن التفكير فيه من اختلافات بين نهجي بايدن وترامب، أن الأول بنى مواجهته الصين على منظومة من التحالف الدولي مع شركائه في شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، من خلال إحيائه تفاهمات كواد (مع الهند واليابان وأستراليا)، وتركيزه على التحالف العسكري مع المملكة المتحدة وأستراليا (أوكوس)، كذلك التفاهمات السياسية والأمنية مع كوريا الجنوبية والفيليبين وجزر المحيط الهادئ وفيتنام، واستعمال ورقة تايوان للضغط على الصين، رغم ما تنطوي عليه من مخاطرةٍ تتعلق باحتمالية اندلاع حرب عسكرية في المنطقة. إضافة إلى استثمار حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتصوير المواجهة مع الصين مواجهةً دولية، لا أميركية وحسب، والأهم من ذلك كله نقله الثقل العسكري الأميركي إلى غرب المحيط الهادئ. يتعارض هذا كله مع النهج الذي شهده العالم خلال عهد ترامب، الذي انتقد الحلف، وبدا أنه يريد سحب الولايات المتحدة من عضويته، فضلاً عن نكوصه عن معظم الأدوار الدولية لبلاده، إن من خلال المؤسّسات الدولية أو الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 التي أعلن ترامب الانسحاب منها في 2017، قبل أن يوقّع بايدن قرار العودة إليها في أول أيامه رئيساً؛ مطلع 2021.

والحال أن عودة ترامب إلى الرئاسة تعني تغيّر شكل الصراع مع الصين، من دون حلّه بالضرورة، إذ ظلّ ترامب خلال فترته الرئاسية يركز على نهج العقوبات الاقتصادية، بما تنطوي عليه من مواجهة أميركية فردية مع الصين. وهذا يعني أن من الممكن تراجع الولايات المتحدة في عهده الجديد عن الضغط العسكري على الصين بالتحالف مع جيرانها، لصالح الغوص في مواجهة مباشرة معها تتضمّن التفاوض على تراجع الصين عن هجومها السياسي على الساحة الدولية، مقابل إعادة منحها الفرص الاقتصادية للنمو والتنمية الداخلية.

وفي الشرق الأوسط، من المؤكد أن دافعاً رئيسياً لتقارب دول عربية مؤثرة مع الصين في الشهور الأخيرة، في مقدمتها السعودية، يتمثل بوصول بايدن إلى الرئاسة على حساب ترامب الذي بدا حليفاً سياسياً قوياً للسعودية في فترة رئاسته، ثم نزوع بايدن إلى خفض حضور بلاده في الشرق الأوسط لصالح التركيز على غرب المحيط الهادئ، في وقتٍ كان الصراع السعودي الإيراني على أشدّه، وهذا ما دفع دولاً في الخليج العربي إلى السعي للاعتماد على نفسها وتنويع تحالفاتها وحلّ مشكلاتها الإقليمية، والاستفادة من رغبة الصين بالاقتراب من المنطقة في بناء قدرات صناعية وتكنولوجية وعسكرية جديدة، أبرزها بناء مصنع للصواريخ الباليستية في السعودية بمساعدة صينية، الأمر الذي لم تنفه السعودية بوضوح، رغم أنها لم تؤكّده بعد.

سيكون مثيراً، إذاً، معرفة ما إذا كانت العلاقات العربية الصينية المتطوّرة أخيراً ستتراجع في حال عودة ترامب، أو أنها باتت استراتيجية غير قابلة للتغيير. هل ستعود دول الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية، إلى الشكل القديم من تحالفها مع واشنطن، الذي لا بد أن يتضمّن الابتعاد عن الصين، أم لا؟

قد لا يتصل الأمر بالصين وحسب، بل بإيران وإسرائيل أيضاً. يأخذ ترامب موقف المواجهة العدائية مع إيران، فهو الذي ألغى الاتفاق النووي مع طهران، واتّبع سياسة فرض العقوبات للضغط عليها، بينما كان تحالفه مع إسرائيل مطلقاً من غير شروط، فنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بضم الجولان إلى الدولة العبرية، ثم أطلق صفقة القرن التي نظر إليها الفلسطينيون تهديداً جوهرياً لقضيتهم العادلة.

في عهد ترامب، بدا أن ثمّة ترتيبات إقليمية واسعة في المنطقة، غرضها التوفيق بين حلفاء واشنطن ومهاجمة خصومها، وهو ما بات مختلفاً بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين، فجعل دولة حليفة لترامب تتقارب مع دولةٍ من خصومه الأساسيين، وهو حال لن يُرضي ترامب في حال عودته إلى الرئاسة، لأنه، من وجهة نظره، يتعارض مع مصالح واشنطن ومصالح إسرائيل.

مؤكّد أن العالم سيشهد تغييرات كبيرة مجدّداً في حال عودة ترامب، وهذا ما يجعل حسابات عودته مطروحةً للنقاش والانتظار والتمهّل لدى كل اللاعبين الكبار، وفي مقدّمتهم الصين.

مقالات ذات صلة