حوار اقتصادي خاص

 

سلامة الدرعاوي

أمسية حوارية جمعت عددا من الزملاء في المنتدى الاقتصادي الأردني تطرق الحديث فيها لقضايا مهمة ذات أبعاد حيوية لها ارتباط يومي بما يفكر به الشارع والمسؤول في آن واحد.
الحوار جريء، وعميق في كثير من جوانبه، لأنه يتضمن آراء شخصيات سياسية واقتصادية وقانونية ومدنية تمتلك فكراً وعملاً تراكمياً في الميدان بعيداً عن التنظير، يؤهلها لتقدم رأياً منطقياً وعقلانياً قابلاً للنقاش والتطوير وتوظيفه بالشكل الصحيح إن أمكن في حال أُخذ به.
بما ان مكان الأمسية قريب من مصنع لافارج الأسمنت فقد استهل الحديث بقانون الإعسار والقضية التي كسبتها الشركة والتي تعتبر أول قضية إعسار منذ سريان العمل بتطبيق القانون العام 2018، وكان واضحا التحول العلمي والعملي في نظرة المتحاورين للقانون بعد نفاذ أحكام القضية الأخيرة، والتي شكلت تحولاً مهماً في نظرة المجتمع وفعالياته المختلفة تجاه هذا القانون والذي كان ينظر إليه حتى من المؤسسات الرسمية والخاصة على حد سواءٍ لأنه تصفية للشركات وإعلان إفلاسها وتهرباً من دفع حقوق الآخرين، والحقيقة ان القانون عكس ذلك تماما، فهو ضمانة للدائنين والعمال والمساهمين والمستثمرين بالحفاظ على ديمومة الشركة وحمايتها من خطر التصفية الحتمية، بإعطائها فرصة لإحيائها من جديد وتمكينها من العودة إلى العملية الإنتاجية بشكل تدريجي مدروس وخطة عمل متفق عليها بين كافة أطر العملية ذات العلاقة بالإعسار، وهو ما يعطي مرونة لبيئة الأعمال المحلية بأن تكون اكثر ديناميكية ومرونة في التعاطي مع الشركات وتمكينها من مواجهة التحديات المختلفة.
ورأى المتحاورون أيضاً، ان البطالة هي اكبر تحد يواجه استقرار السلم والأمن المجتمعي في المرحلة المقبلة، وان الأمر يحتاج لدفع عجلة النمو الاقتصادي للأمام والخروج من حالة النمو المتباطئ، وان العمل يجب ان ينصب على زيادة النمو إلى ما فوق 4.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من خلق فرص عمل جديدة، وهذا يكون بإصلاحات هيكلية عميقة في القطاع العام أولاً، وتحفيز وجذب القطاع الخاص واستثماراته ثانياً، وهذا أمر مناط بيد الحكومة والقطاع الخاص وفق منظور الشراكة لا غير.
إن موضوع الإصلاح الإداري في الدولة جزء مهم من حوار الأعضاء الزملاء في المنتدى، وكان واضحا ان الهم الأكبر الذي يواجه عمليات الإصلاح في الدولة هو غياب الفريق الإداري المؤهل القادر على التعامل مع العملية الإصلاحية وإجراءاتها المختلفة، فالغياب بان واضحاً لفريق الصف الثاني من مختلف الوزارات والمؤسسات المختلفة والضعف الإداري اصبح اكبر معرقل لأي خطة إصلاحية، لا بل بات القطاع العام فعلا عقبة حقيقية في وجه الإصلاح خاصة الاقتصادي منه، وبات يشكل استنزافاً حقيقياً للدولة وخزينتها، والأمر بات اليوم بحاجة لجراحات عميقة في إعادة الهيكلة مصحوبة بخطط للتدريب والتأهيل والاستفادة من الخبرات التي خرجت في السنوات الأخيرة تحت مسميات مختلفة.
الأيادي المرتجفة في اتخاذ القرار أيضا كانت محور حديث الزملاء وهي باتت اليوم سلوكاً عاماً لدى غالبية المسؤولين في اتخاذ القرار السليم في وقته ومكانه المناسبين، بسبب تخوفاتهم من “بعبع” الفساد، وهذا سببه الرئيس ضعف المسؤولين انفسهم ومعرفتهم بأعمالهم الموكلة إليهم، لأن غالبيتهم تساقطوا بالبراشوت على مناصبهم ولم يولدوا من رحم تلك المؤسسات وليس لهم خبرات عملية في العمل العام الذي يؤهلهم لقيادة تلك المؤسسات، وبالتالي بات التلاعب بهم من مسؤولين اقل منهم اكثر سهولة، مما جعلهم يتراجعون في اتخاذ القرارات ويؤخرون المعاملات.
الحديث تناول أيضاً دعم الشركات الكبرى التي تشكل أعمدة وبيئة الاقتصاد الوطني، ولها أبعاد إستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها في استقرار وتنمية الاقتصاد الوطني من شركات طاقة ونقل وإعلام وغيرها، إضافة لقضايا التقاعد المبكر والاستثمارات الخارجية وتحارب الدول في الإدارات وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالحديث اليومي للشارع والمسؤولين معاً.
أنصح الحكومة الرشيدة وفريقها الوزاري الاستماع والحوار مع هذه الفئة المتنورة في المنتدى الاقتصادي الأردني وغيره من مراكز الفكر والأبحاث والدراسات، لتعطيها خلاصة تجاربها العملية والعلمية وتضعها بين يدي الحكومة لاتخاذ القرار المناسب ومساعدتها في رسم الخطط والسياسات، فهؤلاء يملكون عصارة الفكر العملي والعلمي في آن واحد، فهذه أفكار مجانية تقدم للمسؤولين، فاستغلوها ووظفوها لخدمة البلاد والعباد بدلاً من الشركات الاستشارية التي تتعاقدون معها لتقديم استشارات غالبيتها مستشرقة وغريبة عن أرض الواقع.

مقالات ذات صلة