هل تتوقّف عدوى الانقلابات في الغابون؟

عمر كوش

حرير- لم يمض أكثر من شهر على الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في النيجر، حتى جاء انقلاب عسكري في الغابون، بُعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات التي أعلن فيها فوز الرئيس علي بونغو بولاية رئاسية ثالثة، لينهي بذلك حكم عائلة بونغو التي استمرت في حكم الغابون 56 عاماً، حيث ورث الرئيس المخلوع علي بونغو الحكم في عام 2009، بعد وفاة أبيه عمر بونغو الذي حكم البلاد أكثر من 41 عاماً.

أصرّ بونغو على الترشّح لولاية رئاسية ثالثة، على الرغم من استمرار معاناته من صعوبات في الحركة، نتيجة إصابته بجلطة دماغية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، خلال وجوده في السعودية، والتي منعته من الظهور العلني عشرة أشهر، ثم تمكّن من النجاة من محاولة انقلاب عسكري جرت في عام 2019.

يأتي الانقلاب العسكري في الغابون بعد فترة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها، وارتفاع مستوى التوتّر الداخلي بين مؤسسة الحكم وقوى المعارضة السياسية، خصوصا بعد أن أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية أخيرا في ظل غياب مراقبين دوليين، وافتقارها للنزاهة والشفافية، واتهاماتٍ بتزويرها، أعلنها زعيم تحالف المعارضة ألبرت أوندو أوسا، وترافقت مع قطع السلطات خدمة الإنترنت، وفرض حظر ليلي للتجوال في جميع أنحاء البلاد بعدها، الأمر شكّل ذريعة للعسكر للاستيلاء على السلطة، “بسبب حوكمة غير مسؤولة، تتمثل بتدهور متواصل للّحمة الاجتماعية، ما قد يدفع البلاد إلى الفوضى”، وقرّروا “الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم”. وسبق أن اندلعت احتجاجات عارمة في شوارع العاصمة الغابونية، ليبرفيل، في 2016، أضرم خلالها المحتجّون النيران في مبنى البرلمان، على خلفية الجدل الذي أثارته الانتخابات التي فاز فيها بونغو بولاية رئاسية ثانية، حيث وجّهت أحزاب المعارضة اتهاماتٍ له بتزويرها، وخصوصا من منافسه في تلك الانتخابات جان بينغ.

تختلف الغابون عن النيجر، فهي من أغنى الدول الأفريقية، حيث تحوز ثروة نفطية هائلة، إلى جانب احتياطي كبير بالغاز الطبيعي وكميات من المنغنيز والذهب واليورانيوم وسواها. وتوصف بأنها عملاق النفط الأفريقي، فضلاً عن طبيعتها الساحرة، الغنية بالغابات وأعشاب السافانا وأشجار المنغروف والشواطئ والبحيرات، وموقعها في الغرب الأفريقي على ساحل المحيط الأطلسي. وكانت خاضعة للاستعمار الفرنسي الذي استقلت عنه عام 1960، لكن مصالحه بقيت محفوطة، ثم دخلت في السنوات الأخيرة، مثل معظم دول أفريقيا، ضمن دائرة الصراع على النفوذ والمصالح بين كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين.

بحسب تقارير دولية، يعاني أكثر من ثلث سكّان الغابون من الفقر، رغم عائداتها النفطية وثرواتها المعدنية، إذ بلغ إنتاج الغابون من النفط قرابة نحو 193 ألف برميل في اليوم في العام الماضي (2022)، وتمتلك ملياري برميل من احتياطيات النفط المؤكّدة، محتلة بذلك المرتبة 35 على مستوى العالم باحتياطيات الخام، التي تمثل حوالي 0.1% من إجمالي احتياطيات النفط العالمية. أما إنتاجها من الغاز الطبيعي فقد بلغ 454 مليون متر مكعب بنهاية 2021، وفقاً لتقرير “أوبك” السنوي. كما تمتلك 26 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكّدة بنهاية 2021. وتعتمد الغابون بشكل كبير على إيرادات النفط الخام، حيث شكّلت صادرات الغابون من النفط والسوائل الأخرى ما يقرب من 79% من إجمالي إيرادات صادراتها في العام 2021.

تقف أسباب داخلية كثيرة وراء توالي الانقلابات العسكرية في دول أفريقية عديدة في الآونة الأخيرة، ولا ينفي ذلك وجود تدخلات خارجية أيضاً، خصوصا مع احتدام صراع النفود والسيطرة على أفريقيا بين القوى الدولية العظمى، حيث شهدت أخيرا دول الساحل الأفريقي سلسلة انقلابات، طاولت كلا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أسفرت عن تلقي النفوذ الفرنسي ضربات عديدة في القارّة الأفريقية، على حساب زيادة النفوذين الروسي والصيني فيها. وقد ينسحب الأمر إلى الغابون، إذ على الرغم من عدم إفصاح منفّذي الانقلاب فيها عن توجّهاتهم حيال فرنسا، إلا أن إعلان شركة التعدين الفرنسية “إيراميت”، التي تملك وحدة “كوميلوغ” لإنتاج المنغنير في الغابون، تعليق كل عملياتها فيها، يعطي مؤشّراً على خسارة اقتصادية سريعة لفرنسا التي تخشى من تداعيات انقلاب النيجر على استثماراتها في اليورانيوم.

يُجادل المهتمون بالشأن الأفريقي بأن عدوى الانقلابات لن تتوقف في النيجر أو الغابون، بالنظر إلى وجود عوامل عديدة تساعد انتشارها، مثل نهب الثروات والفساد، وضعف مؤسّسات الدولة في معظمها، وهيمنة فئات محدّدة على مقاليد الحكم، إضافة إلى تفشّي الفقر والشعور بالظلم، وإصرار الدول الغربية على اتباع السياسات نفسها التي ثبت عدم جدواها في أفريقيا، حيث وجهت اتهامات في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى فرنسا، بأنها لم تتوقّف عن استنزاف ثروات هذه الدول، وأنها تعاملها بوصفها بلاداً تابعة لها، على الرغم من الاستقلال عنها بعد حركات التحرّر في القرن الماضي. وتنشر فرنسا قوات عسكرية عديدة في معظمها، ففي الغابون، مثلاً، تنشر فرنسا قواتها فيها بموجب اتفاقيات بينها في أغسطس/ آب 1960، بغية تأمين مصالح فرنسا وحماية رعاياها، ودعم الانتشار العمليّاتي الفرنسي في المنطقة، إضافة إلى اتفاقيات التعاون العسكري الثنائي، في إطار معاهدة التعاون في ميدان الدفاع، التي وقّعتها مع الغابون عام 2011. وتمتلك فرنسا وفقها قاعدة عسكرية في العاصمة ليبرفيل، تضمّ نحو 350 عسكرياً.

ليس من المرجّح أن تتوقّف عدوى الانقلابات العسكرية في أفريقيا، وفي سائر الدول التي تعاني من النهب والفساد والتبعية وعدم الاستقرار وغياب الديمقراطية، وهي أمور تستغلها النخب العسكرية الطامحة التي تركب موجات السخط الشعبي على أنظمة الحكم للوصول إلى السلطة، متبنّية خطاباتٍ شعبوية، تهدف إلى تحريك مشاعر شعوب هذه البلدان لتبرير انقلابها، إضافة إلى رفعها شعاراتٍ مناهضة للغرب، خصوصا الدول الاستعمارية السابقة، واستغلالها التغيرات الحاصلة على المستوى الدولي، وذلك في ظلّ الصراع المستمرّ بين القوى العظمى الساعية إلى توطيد نفوذها وتوسيعه في القارّة الأفريقية.

مقالات ذات صلة